سلام الله عليكم
قال الإمام علي عليه السلام:
"إن القرآن ظاهره أنيق .. وباطنه عميق .. لا تفنى عجائبه .. ولا تنقضي غرائبه."
القرآن الكريم يحمل ظاهرا يخاطب العقل واللسان وباطنا يخاطب القلب والروح.
لكنه لا يخفي رموزه عن من أخلص قلبه وطلب النور... فهو لا يمسه الا المطهرون ..
فالباطن ليس محجوبا عن الجميع لأنه (ســــــــــــــر) بل لأنه يحتاج إلى صفاء .. لا الى ذكاء فقط.
أمثلة كثيرة على رمزية القرآن لمن ينظر ببصيرة .. مثل الاية الكريمة ( والليل إذا يغشى ) رمز لحال الغفلة والجهل هنا ..
الاية ( واشتعل الرأس شيبا ) هي رمز لنضج الروح وانطفاء الهوى ..
الاية (موسى ألق العصا ) رمز لترك الاعتماد على الأسباب ..
الآية الواحدة يمكن أن تحتوي على طبقات من المعنى ..
مثل ( إهدنا الصراط المستقيم ) .. ظاهريا نقرا منها دعاء بالهداية إلى الدين الحق..
باطنيا هي دعاء بالسير على طريق التوحيد الداخلي والسلوك الروحي وتجريد النفس من التشتت ..
هنا يجب ان نفهم انه ليس كل من قرأ القرآن يصل للباطن.. لأن الباطن يكاشف ولا يدرك بالعقل وحده.
و له شروط منها .. طهارة القلب .. قال الله تعالى ( لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (أي لا يدرك حقيقته إلا من طهر قلبه .. لا فقط طهر بدنه)
التجرد من الهوى و معناه ان الباطن لا يفتح لمن يسقط عليه أفكاره الخاصة ..
و اهم شرط هو صحبة الصادقين قال مشايخنا قدس الله سرهم ( من لم يكن له شيخ .. فالشيطان شيخه) .. لأن التفسير الباطني فيه خطر الإسقاط والتخيل فيحتاج إلى ميزان روحي تستمده من المعلم او الشيخ او المرشد ..
في سورة الماعون مثلا ..
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)
وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)
فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4)
الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
يمكن قراءتها باطنيا هكذا ...
( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ) أي من يكذب بحقيقة السير إلى الله و من ينكر الطريق الباطني الذى قواة التزكية أو يعتبر الدين شكلا بلا لب اي الدين هو دين الوعي لا الطقس يمارس فقط.
( فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) و اليتيم هو القلب الغافل المحروم من نور الله وهذا الذي يكذّب بالايمان الحقيقي ولا يغذيه بالذكر بل يدفعه بعيدا عن الطريق.
( وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) الطعام هو غذاء الروح / الذكر / الحكمة و المسكين هو السالك الباحث عن النور.
( فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ) الوعيد ليس على من ترك الصلاة بل لمن يصلي… ولكن! ( الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) أي صلاتهم بلا حضور قلبي بلا توجه بلا عشق… مجرد عادة.
( الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ) اي عبادتهم موجهة لمرآة الناس لا لوجه الله.
( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) اي يمنعون تلك النفحات الإلهية الصغيرة التي تتجلى في الحياة اليومية ويمنعون المعونة الإلهية عن نفوسهم لأنهم أغلقوا القلب وانشغلوا بالمظاهر.
و قس عليه باقي السور