سلام الله عليكم - موجز من مذكراتي -
في ليل هادئ في مدينة بها شلالات رائعة وسط بلاد المغرب جلست قرب مجرى هذه المياه العذبة المتدفقة .. التى كانت تعكس تتلألأ النجوم كأنها أسرار معلقة بين الأرض والسماء.
اقترب مني أخي الحاج مولاي ابو شعيب رحمه الله و يجلس بجانبي.
قال لي يا سيدنا كلما نظرت إلى هذا الماء النازل من هذا الشلال رأيت وجهين له ماء يجري على السطح .. وسر غامض في العمق و مثله من المنبع و مثله في الشلال .
سبحان الله كانني ارى دين الله يا سيدنا… ظاهره طقوس .. وباطنه معنى لا يلمس.
أشعر أن الشريعة قشر يخفي لؤلؤا من نور .. فهل أنا مخطئ إن بحثت عن اللؤلؤة؟
ابتسمت لاني اعلم جيدا ان مولانا ابو شعيب قدس الله ضريحه الشريف يريد بحواره معي عن الماء و المنبع و الشلال الا ان يدخل الى شيء اخر ..
يريد ان ندخل حديثا له اكثر من معنى في عمقه .. فنظرت له و قلت ..
لست مخطئا يا مولانا لكن احذر أن تكسر الصدفة قبل أن تنضج في يديك.
الباطن لا يفتح بالعقل المجرد .. بل بالتهيؤ الداخلي.
من لم يطهر ظاهره بالطاعة .. لا يؤتمن على سر الباطن.
كان مولاي ابو شعيب يتأمل تارة في النجوم و مرة في الماء .. فأجاب ..
لكن ألا ترى يا سيدنا أن كثيرا من الناس غرقوا في الظاهر حتى نسوا المعنى؟
يصلون ولا يتصلون .. يصومون ولا يتطهرون من شهوات القلوب.
أليس البحث عن الباطن إذا هو محاولة لإنقاذ روح الدين من الجمود؟
قلت له ..
بلى .. ولكن الطريق إلى الروح يمر عبر الجسد.
من أراد أن يرى المعنى .. فليعش الشكل بصدق حتى يتجلى فيه النور.
الصلاة ليست حركة فحسب .. لكنها المرآة التي تعكس وجه الحق لمن حضر بقلبه.
قاطعني مولاي ابو شعيب ..
أفهم كلامك .. لكن قلبي به عشق خاص يطلب أكثر من الحركات… يطلب الكشف.. يطلب الفهم ..
يريد أن يعرف لماذا جعل الله لكل أمر ظاهرا وباطنا
هل يخفي الله سره ليختبرنا .. أم ليقودنا إلى اكتشافه؟
رددت على مولاي ابو شعيب ..
الله لا يخفي نفسه ليبعدك .. بل ليجعل سعيك نحوه سفر .. معرفة وشوق.
الظاهر هو الطريق .. والباطن هو المقصد.
فكل عبادة هي رمز .. وكل رمز باب .. وكل باب مفتاحه في القلب.
تنهد مولانا ابو شعيب و قال لي ..
إذن فالمعنى لا يكتشف إلا لمن يرى بعينين ..
عين للعقل تفكك الرموز .. وعين للقلب تذوق النور.
من استخدم واحدة دون الأخرى .. رأى نصف الحقيقة فقط.
قلت له ...
صدقت.
العقل يرسم لك الخريطة .. لكن القلب وحده يسير.
العقل يعرف الطريق إلى الله .. أما القلب فيسلكه.
وإذا التقيا فيك يا مولانا رأيت بعينيك ما كان غيبا ..
الظاهر والباطن ليسا ضدين .. بل تعانق بين الأرض والسماء.
ابتسم مولاي ابو شعيب .. و اعاد النظر الي مجددا و قال ..
إذن لا أحتاج أن أترك الظاهر لأرى الباطن ..
بل أحتاج أن أصلي حتى تنطق الصلاة ..
أن أصوم حتى يصمت الجسد ويتكلم القلب ..
أن أبحث حتى أعود ..
فالباطن لا يهدم الظاهر به .. بل يضيئه.
قلت هو هكذا مولانا ..
من أدرك سر الوحدة بين الظاهر والباطن ..
رأى في كل شيء وجه الله.
كل حرف في القرآن الكريم .. كل حركة في العبادة .. كل نفس في الوجود
كلها مرايا تعكس نورا واحدا.
اعاد مولاي ابو شعيب النظر لي و قال ..
ذن الحقيقة ليست في الهروب من الشكل ..
بل في أن نراه وهو يتحول فينا إلى معنى.
الظاهر قشر حي .. والباطن لب ناطق ..
ومن جمعهما… صار إنسانا كاملا.
ثم نظر و اشار بيده الى الماء .. و قال .. ربما هذا الماء الجاري علمني أكثر من الكتب… فظاهره ماء وباطنه سر الحياة.
قمت من مكاني و قلت له تمام مولانا نحن ظواهر تسعى إلى بواطنها .. حتى نعود نهرا يصب في بحر الله عز و جل ..