|
|
28-01-2012, 17:17 | رقم المشاركة : 1 | |
|
ظلمات بظلمات
((العین الثالثة)) لأنھا العین التي تحكم مجال رؤیتھا في الباطن ، واعتبروھا شاملة لمجموع قوى جسم الإنسان ، كما اعتبروھ ا مدارا لقوى العقل ، وموردا لكل طاقة یتم لقوى العقل بھا السیطرة على قوى الطبیعة وقوى جسم الإنسان . وھكذا اعتقدوا أن ھذه العین الثالثة ھي مدخل العالم الباطني الخیالي ، وجعلوا لھا رمز ا لقوة مركزة في وسط الجبھة . وقد اعتقد كثیرون في الحقب البائدة ممن یطبقون قواعد الاتصال الباطني بقوى الظلمات ، ومنھم الیوغیون والبوذیون الذین لا یزالون یمارسون ذلك حتى یومنا ھذا ، اعتقدوا أن العالم الخیالي الذي یتم دخولھ بواسطة التركیز واعتمادا على الحاسة السادسة ھو العالم الباطني الشامل للعالم الظاھري ، وھذا الاعتقاد خاطئ أساسا ، لأن الوسائل التي یمكن بھا تطویر قوى العین الثالثة لا تخرج عن كونھا وسائل سحریة معروفة في القدیم ، وكل اتصال بواسطتھا ما ھو في الحقیقة سوى اتصال ، بقوى الظلمات التي كان القدماء قد طوروھا بقلب قوى النور الأصلیة . ولذلك فإن الخائض في ھذا النوع من تطویر القوى العقلیة(كالیوغي مثلا) ما ھو إلا خائض في عالم الظلمات ، یشھد بذلك ما یراه الیوغي نفسھ عند بدء دخولھ إلى الباطن ، وبعد اجتیاز مرحلة الخیال ، من أشكال وصور غریبة ومخیفة عند الاتصال بھا ، لھا تموجات ولھا شبھ حیاة في الباطن الخیالي . وتأخذ ھذه الأشكال في تصویر ما أودعھ الإنسان القدیم من قوى باطنیة خیالیة كان یرمز بھا إلى بدء خلقتھ كما كان یراھا ھو ویعتقدھا ، وكذا إلى العلاقة بینھ وبین مختلف عناصر الطبیعة والموجودات فیرى المتصل بھذا العالم الباطني الخیالي المتشكل من قوى الظلمات، صورا متحركة لكائنات ھي خلیط بین الإنسان والحیوان ، أو الإنسان والنبات ، أو الإنسان وضروب من وحوش الأساطیر، وكل ذلك یجلب بواعث قویة على الخوف والھوس ، وم ا ھو إلا تشكل لقوى الظلمات المجتمعة في الباطن الخیالي بأسالیب السحر القدیمة . وھي نفس القوى التي یستعملھا السحرة القلة الذین مازالوا یتوارثون ھذه الأسالیب إلى غایة ھذ ا العصر. وقد حملت أعداد كبیرة من الوثائق الحجریة التي تعج بھا الآثار القدیمة من تلك الصور والرسوم كما كان یراھا رساموھا من المتصلین القدامى بالباطن الخیالي . إنھا أشكال لا یملك المشاھد العادي غیر الممارس إلا أن ینعتھا – وھو یراھا مرسومة أو منقوشة على إحدى اللوحات – بكونھا رموزا للشر والھلع والوسوسة والخلط الخارج عن الفطرة ، البعید عن الوضوح . ھذه ھي الأفكار الرئیسیة التي ینطلق منھا كتاب ((ظلمات بظلمات)) فیصور مختلف مراحل التفكیر البشري من نشأة الإنسان الأولى وحتى فیما قبل نشأتھ ، والكیفیة التي ركز بھ ا الإنسان ھذه الاعتقادات ، والناتجة عن أنماط تفكیره ، على شكل قوى من ظلمات(لأنھا كانت قلبا للحقائق المتصلة بنشأة الإنسان التي یفصلھا الدین تفصیلا) وذلك بواسطة أسالیب السحر القدیمة التي كانت تعرف من القوة والفعالیة ما لا نستطیع تصوره الیوم . وبما أن الإنسان لا یھمھ من جمیع ھذه الأمور غیر الحصول على القوة ، والبحث عن القوى الخارجة عنھ لاستمدادھا وإسباغ فعالیتھا على عقلھ وجسمھ ، فقد ركز كل أعمالھ السحریة القدیمة على الاتصال بعناصر الطبیعة أولا بأول ، بالالتحام معھا . وقد صور الكتاب ھذه المراحل ، كما تبدو رموزھا فعلا في الباطن الخیالي (للمتصل طبعا)، وتظھر أشكالھا شبیھة إلى حد بعید بما یستخرجھ بعض الرسامین التشكیلیین على اختلاف أجناسھم من رسوم تدل جلالة قاطعة على أنھا كانت فعلا موجودة في الباطن الخیالي الكوني ، وإن الإنسان)الرسام) استخرجھا بالاتصال الباطني غیر الإرادي مع ھذا الباطن معتقدا ھو وكثیرین معھ أنھا من وحي نفسھ وقرارة عقلھ . وقد انتقل الكتاب من ھذا المجال إلى تبیان الرموز التي لاتزال تشكل إلى عصرنا ھذ ا حجر الأساس في أعمال بعض السحرة المتمرسین وإن كانوا من الندرة بمكان ، وكلھا رموز قدیمة ظل الباطن الخیالي المتشكل من قوى الظلمات یحتفظ بھا فتكون رھن إشارة المتصل الراغب في الاستمداد منھا واستعمال قواھا في مختلف شؤون وطرائق السحر الأسود . (( إن الإنسان قد جلب على نفسه – یستطرد الكاتبان – مشاكل كثيرة نتيجة بحوثه التي لم تنطو على حق منذ بدايتھا لأنھا تنحرف عن أصول الدين انحرافا كبيرا ، وذلك لأن الإنسان لم يكتف بما أعطي له من علم ديني ، بل خص جسمه وعقله بتطبيقات أخذ نموذجھا مما استنتجه على حسب فكره بالظن ، وقد كان الخطأ في البداية مبنيا على أساس ملتو من فھوم سطحية خيالية تتعلق بالصلة غير الموجودة بين الإنسان والكون )) . إن الأمر ھنا یعني الصلة العضویة المستحیلة . فالإنسان نجده بدلا من الاكتفاء بعبادة ربھ وتأمل خلائقھ وكائناتھ والتعایش معھا وفق القانون الأسمى المنزل ، الذي تحمل الطبیعة سطوره وتشمل مقتضیاتھ ، ویضع الدین حدوده والتزاماتھ ، ونجد ، یسعى إلى البحث عن الخالق نفسھ سعیا وراء تحقیق الالتحام معھ ! وإلى إیجاد حل روحي یجعلھ یتصل بھ ویندمج فیھ تحقیقا لرغبتھ في الخلود ! أو نجده انطلاقا من إیمان مسبق بخلود الكون ، ینزع إلى مختلف الوسائل (وكلھا شیطانیة) للالتحام بالكون وتحقیق خلوده معھ ! وقد بدا ھذا وظھر في عدید من المدارس من بینھا طرائق الصوفیة(ولا أعني سوى الصوفیة المنحرفین) من التي كانت تقول بالاتصال مع الخالق بانفصال ، أو بالانفصال عنھ باتصال . إن ھذا المشكل عمیق جدا من حیث انطلاء ما یلتبس فیھ ویتشابھ مع الحقیقة على المتصلین بالباطن الخیالي إرادیا أولا إرادیا، فیحدث نوع من الشرك في أشكالھ القدیمة والحدیثة على السواء . وكم من مظاھر للشرك الخفي یراھا الإنسان الیوم فیحسبھا من الدین ومن التقوى ومن عزم الأمور . إن ھذه المعضلة لا یقع فیھا الجاحد فحسب ، وإنما یتخبط فیھا المسلم كذلك ، لأن قوى الظلمات تظل حاجزا حقیقیا یحول دون وصول المؤمن على مراتب قوى النور لما یشھده الطریق من اختلاط وتشابھ في السالك والمعابر. ویبقى كل مسلم یرید الاتصال بقوى النور أن یجتھد ویكافح بقوى عقلھ حتى یستطیع تخطي مراحل الباطن الأولى بما تشملھ من قوى ظلمانیة مغریة أحیانا ، ومرھبة أحیانا أخرى ، متنكرة طورا في لباس یحسبھ المتصل من نور... حتى یتمكن من تحقیق اتصالھ بالباطن الحقیقي . إن معرفة ھذا واجبة – یقول الكاتبان – على كل مؤمن راغب في الاتصال الباطني الدین ، فالباطن الخیالي مليء بقوى ظلمانیة تعمل ضده لیل نھار یركزھا وینمیھا عمل كل ملحد مشرك ، ولذلك تضمن ھذا الكتاب النماذج الحقیقیة لتلك القوى برموزھا وصورھا التي مازالت توجد علیھا الآن حتى تبرز للعیان فلا ینخدع بھا أحد ولا ینساق معھا سالك . إنھا لیست رسوما تشكیلیة كما قد یتخیل الباحث ، وإنما ھي صور لما ھي علیھ حقیقة ، وكما تبدو في الباطن المتشكل من ضوء یصعب اجتیازه على غیر العارف بھا والمدرك لقواھا وأحابیلھا التي لیس لھا من مصدر سوى التطبیقات السحریة القدیمة . إن الرسم انطلاقا من ھذا الطرح یصبح في حالة اختلافھ مع الواقع الواقعي مجرد استنباط لما یحملھ الباطن الخیالي من تلك الأشكال المذكورة . ولذلك یعتبر ھذا الكتاب ھذا النوع من الرسم خروجا عن الدین ، وإخراجا لتلك القوى بقوة العقل والخیال العقلي ، وخصوص ا والساحة تشھد رسامین تشكیلیین لا حصر لھم یعتبرون ویفخرون بما قدموه ومن ورائھم جمھور من الجھل ، وكان ما قدموه یحمل خدمة للإنسانیة ، وخلاصا للإنسان من زوابع قلقة وحیرة ، ومتاھات شكھ في أصلھ وفي خالقھ وفي نفسھ . إنھ – كما یقول الكاتبان – ((جلب لقوى الظلمات العاملة بالظلمات ، وإظھار لعبقرية شاذة ليس لھا أصل ، ولا علاقة لھا بالدين ، ولا وجود لھا في علاقة الإنسان بالكون ، وبالظواھر الكونية أو البيئية أو البشرية ، وما إلى ذلك مما يتشدق به ھؤلاء العباقرة الرسامون )) . إن ھذا الطرح قد یجلب الضحك لذى البعض ، وقد یستدعي السخریة لدى بعض آخر، لأنھ یظھر للعیان ھینا ، ولكنھ بقلیل من التفكیر الصائب والتأمل البعید عن أھواء النفس ونزواتھ ا الدنیا تظھر الحقیقة ، ویتبین آنذاك فیما إذا كانت ھذه العبقریة الجدیدة الشاذة تحمل في طیاتھ ا حقا شیئا من الخیر والفائدة ولو یسیرا ، أو أنھا مجردة من كل خیر ومنفعة . |
|
|
|
03-02-2012, 15:21 | رقم المشاركة : 2 | |
|
رد: ظلمات بظلمات
والله فعلا احترنا يا شيخنا |
|
|
|
25-01-2013, 11:37 | رقم المشاركة : 3 | |
|
رد: ظلمات بظلمات
مشكور مولاى شيخ الاسرار |
|
|
|
03-05-2017, 08:24 | رقم المشاركة : 5 | |
|
رد: ظلمات بظلمات
جزاك الله خيرا على المواضيع الفلسفية الرائعة |
|
|
مواقع النشر |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر) | |
|
|