الصلاة صلة مصدرها القلب...
إن الأئمة والمفسرين شرحوا كل آية من آيات القرآن الكريم, وقدموا آلاف المعاني, وقالوا: لا زلنا على الشاطىء ...
إن كتاب الله سرّ من أسرار ه... والصلاة هي الصلة مع الله
من الصعب جداً أن أتحدث عن الصلاة... ولكنني سأحاول... وأنت اقرأ ما بين السطور, لأن الحقيقة هي في الصدور وليست في السطور... وكلما توسعت البصيرة ضاقت العبارة...
إن الصلة ليست بالحرف أو بالصوت أو بالحركات... كلنا يصلي وكلنا يتمنى الفردوس... وكلنا يعلم بأننا على ممر, وأن الموت فينا وحولنا, وأن الآخرة خير وأبقى, وينبغي ألاّ ننسى أن الصلاة ليست سلعة أو غاية أو صفقة تجارية بين الخالق والمخلوق. الصلاة فعل وعمل وصلة بين كل المخلوقات مع الخالق... والأفعال لا تحدّها الكلمة ... الكلمة مصدرها العقل, والصلاة مصدرها القلب... هي صمت وإصغاء لهذا الصفاء الساكن في السكينة...
كلنا نصلي إلى الله لنصل اليه... وأجمل مسجد هو هذا الذي بناه الله وسكن فيه... هذا القلب الذاكر الذي لا ينام أبداً... لما سُئِلتْ رابعة أين أصلّي؟
قالت: طهّر قلبك وصلّ حيثما شئت... وبأي لغة أصلي يا رابعة؟...
قالت: إن الله يفهم لغة القلوب الصافية الصالحة المتصلة بكل المخلوقات...
كلنا نصلي ولكن من منا يصل بصلاته الى الحق؟...
صوت الصلاة يقول: ادخل قلبك وصلّ... إن الله يفهم كل اللغات, والصمت لغة اللغات...
وتذكرت هذه القصة: أربعة رجال ذاهبون إلى مكة... فصادفهم رجل وأعطاهم خمسة دنانير وقال لهم: اشتروا بها فاكهة تحبونها... وبدأ الخلاف... دائماً الخلاف بالرأي... قال الأول: أنا أحب العنب. وقال الثاني: أنا لا أحب العنب أحب الأوزوم... وقال الثالث: أنا لا أحب ما تقولون ولي حصة في المال وسأشتري ما أريد, أنا أحب الغريبس... وبكى الرابع وقال: أنا لا أحب كل هذه الفاكهة... أنا أحب اليونا... وكالعادة دارت المشاجرة والمناقشة... وإذا بأحد الدراويش يمرّ ويسألهم عن حالتهم, وبعد أن عرضوا عليه أمرهم ... أخذ الدنانير وقال لهم: سأشتري لكم ما تريدون... أنت العنب وأنت الأوزوم وأنت الغريبس وانت اليونا, والمال يكفي ويزيد... بيد انهم حدقوا اليه متعجبين من أمره... غادرهم ثم عاد ومعه عنب... فصرخ العربي: هذا هو الذي أحب... وصرخ التركي: هذا هو الأوزوم الذي أحب, وصرخ الشامي: هذا هو الغريبس ...
كلنا يحب الله ولكن بكلمات مختلفة... كلنا نحب الصلاة والصلة ولكن بطرق مختلفة, ونختلف على الكلمة لا على الحقيقة, لأننا لا نعرفها...
ومعظم الناس يا إخوتي صلاتهم متصلة بالحرف لا بالحب ولا بالرب... نحن نعرف الله من خلال الدولار لا من خلال كتاب الله أو كتب الله ... ولكن والحمد لله هناك الصالحون والأطفال والركّع والرضّع, والبركة لأصحاب البصائر المفتوحة...
ومرّة كنت في بلد معابِده أكثر من عباده... وفيه كل الديانات, ورأيت مسجداً في طور البناء... جميل جداً من حيث الشكل الهندسي والمساحة والنوعية... سألت العمال: لمن هذا المسجد...؟ فقالوا إنه لله!
وسألت عن الشيخ وإذا بي أسمع أنه غير مرغوب فيه لأنه متزوج وعنده عيال, وباني المسجد يبحث عن شيخ عازب ليتفرغ للصلاة وللعبادة ولخدمة المصلّين ... وسألت عن بيت الشيخ وإذا بي أرى ما توقعت...
نحن أيضاً نبني بناية ضخمة فخمة وبيتاً للحارس أصغر من حفر التنور... لا هواء فيها غير ضجيج المكيّفات, ولا شمس فيها غير حرارة أنابيب المياه... هل زرت مرّة حارس بيتك؟ أو خادم مسجدك؟ لقد ولّى زمن الخلفاء... أين نحن منك يا عمر؟! نحن في خدمة الآلة وهالتها ونسينا هالة النور وعذاب النار...
ما أكثر هذه المعابد... ندخلها كسيّاح لا كحجّاج...هذا هو قلبي المؤمن بالبناء لا بالفناء... هيكل فخم وقلب من الفحم... أدخل المعبد وأنا عابد كل ما لا يعبد...
هل تتذكر قصة الشيخ فريد مع الملك؟...
الشيخ فريد فريد بعبادته... يحبه كل أهل القرية... طلبوا من أن يذهب الى الملك ويطلب منه مدرسة للفقراء... فذهب إليه في الفجر... ودخل المسجد الكبير الذي بناه الملك وحفر اسمه على مداخله... دخل الشيخ وسمع الملك يدعو الله:
يا ربِّ أعطني قوة لأغلب المملكة التي لا أحبها... ملكها غير عادل مثلي, ولكنه يملك جيشاً قوياً ... قوني يا الله حتى أغلبه... أعطني مالاً أكثر لأبني جيشاً أقوى من جيشه, وسأبني لك مسجداً أكبر من هذا المسجد...
وسمع الشيخ الجليل هذه الأدعية وهمّ بالرجوع, فرآه الملك وسأله:
أيها الشيخ الفاضل لماذا تذهب ولم تطلب مني أي مساعدة... فقال له الشيخ:
أيها الملك... لقد أخطأت... كنت أعتقد أنك ملك ولما سمعت ما تقول تأكدت أنك متسوّل... تسأل الله ما لست بحاجة إليه... فأنا لا أريد ان أطلب من فقير مثلك... سأذهب وأطلب من الله ما نحن بحاجة اليه...
وتعلمت ولا زلت أتعلّم أن الصلاة هي صلة الصدق... والصدق فينا لا في المعابد و لا المساجد ولا في الدعاء...
فيا إخوتي القراء!! لا كلام عندي عن الصلاة سوى قصص أراها وأسمعها وأجد فيها كل شيء حول الصلاة إلاّ الصلاة... أنت الصلاة إذا اتصلت وانت الفصل إذا انفصلت...
وما كان لله دام واتصل, وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
نعم... كل عمل عبادة وصلاة... كم من المرّات أصلّي وقلبي في ممرّات الشوارع والحوانيت والغيبة والضياع... لا اذكر مرّة واحدة ذكرت الله إلاّ وحاوطتني الشياطين والضياع... ولكنني لا زلت أسعى ورحمته أوسع من ضعفي...
أسألك يا أخي هل الله بحاجة الى هذه المعابد و المساجد ؟ , وهو الذي قال إنني في قلب عبدي المؤمن؟
معك حق... المؤمن... وما دخلت مسجداً او معبداً إلاّ ورأيته لعبد الله أكثر من الله ... ولكن لولا عبد الله لم أتقرب من الله... نتعلم الحكمة من الجهل, والكرم من البخل, والصمت من الصوت...
أذكّر نفسي دائماً بأن الصلاة صلة مع الخالق عبر الصلة مع النفس ومع جميع مخلوقاته... ولكل دين طرقه الخاصة به, وكل الطرق من الخالق الواحد الأحد... وأينما تقف فأنت في بيت الله, وأينما تحفر تصل إلى المياه... وأينما تولوا فثم وجه الله...
نحن اليوم نهتم بكل الحضارات... وصلنا الى القمر وأنا لا أستطيع الوصول الى قلبي أو الى دار الجار... عندنا كل الحضارات ونسينا حضرة الرسول, وحضرة يوم الحق... وهمنا الأكبر بناء القصور والمعابد على أنواعها لتذكرنا بأعمالنا...
إن قصة صيدوم وعمورة وفيضان نوح والزلازل وغيرها من العلامات ليست أسطورة بل حقيقة. والحقيقة تعاد رحمة بالعباد...
وهذه هي قصة الإنسان في كل يوم وزمان.. إن الصلاة صلة بالقلب, ويوجد القليل من رجال الدين, وأهل الله في كل بيوت الله, علينا أن نتقرب من قلوبنا أولاً, حتى نتعرف إلى ذواتنا ثم إلى أهل الله, وكل الطرق سالكة وآمنة إلى الله...
إن الله لا يحتاج الى وسيط ... ولحبه لنا جعل الصلاة صلة بينه وبيننا... صلة صمت وتأمل, وهو العليم السميع... اختر أنت صلاتك وصلتك بالمعبود, وكن عابداً عاشقاً أبداً... لقد وفقني الله بالكثير الكثير من رجال ونساء علماء في الدين ... علماء في قلوبهم وفي كتبهم ... وهذه نعمة أن ترى وتصاحب أمثالهم في هذا العصر المظلم بقوة العلم وإستبداد الآلة...
وأذكر هذه النادرة قصها علي أحد هؤلاء المشايخ وهو لا يزال يعلّم وعمره فوق المئة...
قال لي : كان فيما كان بالأمس واليوم وغداً... في عالم الشياطين: أتى أصغرهم إلى أكبرهم وقال له: أيها السيد!! أيها الشيطان الأكبر... لقد خسرنا المعركة في الأرض... لقد ولد لهم نبي والناس من حوله, يسمعونه ويكبرون الله ويسبحون ويمجدون ما العمل؟! سيترك لهم كتاباً وشريعة, وسيعرفون الحقيقة, فماذا نفعل نحن؟ سنخسر عملنا ودورنا بظهور هذا النبي... وكان منفعلاً غاضباً... فقال له رئيسه... وهو الشيطان الأكبر: هدىء روعك... واشرب سيكاراً وكأس ويسكي... لقد علمت بالأمر وأرسلت كل جنودي إلى الأرض فلا تخف على عملك... فقال له الشيطان الصغير: الآن أتيت من الأرض ولم أرَ فيها اخوتي... لم أرَ أناساً لهم أذناب وقرون, لم أرَ أحداً من أشباهي...
فقال له الشيطان الأكبر: ألم ترَ أناساً يمشون بلا أذناب ولا قرون؟ لقد اتخذت من بعضهم عملاء يأخذون بضع كلمات من فم النبي, ويكتبون عليها وعنها كتباً وكلمات وحكايات تجلب الناس إليهم, ويبقى النبي غريباً كما أتى... دائماً الحقيقة غريبة... دائماً العاشق غريب... لا تخف يا ولدي الشيطان... أنا أبوك وأعرف أكثر منك... لا تخف الأرض ملأى يالشياطين, وأتباع خطوات الشيطان أسهل على الإنسان من أتباع خطوات الصالحين...
وهذه هي حالتنا... كل ما سمعنا كلمة تكون هي النعمة, نركض إلى الأسواق ونتسوقها ونتذوقها ونتلذذ تخمتها... وفي الغد نعود إلى عبادة العادة نفسها, ومن سيىء إلى أسوأ... إلى أن نصل إلى تلك اللحظة التي فيها الصحوة واليقظة, وهذا هو الباب الضيق, وهذا هو الصراط المستقيم... إنه الصمت الذي يأتي بعد التأمل ... إنها الصلاة والصلة التي تأتي بعد الصمت ومعه وفيه... إن كل الكلمات وكل العبادات ما هي إلاّ آنية لشرب الحق...
وإن الصلاة هي صلة طبيعية تاتي بعد ضوء كل الحواس, تماماً كالزهرة عندما تفتح أوراقها وينتشر عطرها, تلقائياً بدون أي مجهود, لأنه في طبيعتها... هذا هو دورها... هذه هي ذاتها... كل بذرة هي عطر, وإذا لم تمت في الأرض فلن تحيا ولن تنشر ذاتها... هذه هي صلاة الزهرة مع الخالق... والصلاة لا تغيّر الله... الصلاة تغيّر الإنسان... إن المحيط ليس بحاجة إلى نقطة من المستنقع... بل العكس هو الصحيح... إنظر إلى النهر هل هو بحاجة إلى خريطة ليعرف طريقه إلى المحيط؟ هل تقدر أن تدفعه بقوتك انت لتساعد مسيره... وكذلك الغيوم تسير باستسلام وتسليم... السماء شاهدة عليها ولا تدفعها... لا تسأل عالم الريح ولا روّاد الفضاء عن كيفية السير في السماء... إن الطبيعة متصلة مع الله بدون وسيط...
إن المحبة تعرف الإتجاه... الله محبة... فما علينا إلاّ الطاعة لكلام الله وكتبه ورسله... لقد قال وقوله حق: عبدي أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون...
فإذا أحببناه نكون بصره ويده... هذا ما قاله لنا كل الأنبياء ... لذلك عندما تكون في حالة الصلة مع الخالق تكون دهشة وتعجب وحيرة وعشق...
انظر إلى كل الآيات التي فيك وحولك... إنها صلاة... إنها حوار مع الوجود...
ويقول الصوفي: عندما تشعر يالصلاة ادخل الى زاويتك الخفية وصلّ... إنها عبادة العابد مع المعبود بعيداً عن عيون الوجود...
إن الصلاة ليست مسرحية وتشخيصاً وأداء واجبات... إن الصلاة نية المؤمن مع الإيمان... نعم إن للحركات الجسدية معنى وقوّة ولها لغة خاصة تقربنا من لغة الله, ولكنها ليست محصورة او محدودة في حركات معينة... لكل صلاة حركات توافقها وتتفق معها.... المسيح علَّم الصلاة برفع اليد... والمصطفى علَّم الصلاة بالإنحناء والسجود الكلي...
لكل منهم شريعة وكتاب... وكلها تصب في نبع الحب... إن للصلاة جاذبية ترفعنا إلى أعلى وللنفس جاذبية تدفعنا إلى السوق... إن صلتنا بعالم الأرض وزينتها قوية, ولكن الصلة العامودية, أي صلتنا بالخالق ضعيفة... وكل خلية في جسدنا فيها قوة الأنثى والذكر, " ومن كل شيىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ", وهذه هي الجاذبية للحياة...
فالصلاة صلة متوازنة ومتلاحمة مع علاقة الإنسان بكل المخلوقات وخالقها...
سمعت أن أحد الأطفال عاد من المدرسة وركع أمام سريره وقال: يا الله أنا احبك ولكن لا أعرف أن أقدم لك أي صلاة... اليوم تعلمت في المدرسة هذه الحروف... ألف... باء... تاء... ثاء... جيم... وأنت اجمعها واكتب الصلاة التي تحبها... وأنا أحبك أيضاً... هذه هي البراءة... إنها صلة مع الله...
وذات مرّة كان النبي موسى ماراً وسمع رجلاً يقول: يا الله إذا كانت إمرأتك لا تعرف الطبخ مثل امرأتي فأنا أحب ان أطبخ لك. إنني طباخ ماهر... وإذا كان بيتك وسخاً فأنا أنظفه لك... وإذا كنت حافياً فأنا أصنع لك حذاءً مريحاً...
فاقترب منه موسى وسأله: مع من تتحدث؟ فقال له: مع الله... وغضب موسى ونهره قائلاً: هل تعتقد يا جاهل بان الله متزوج وبيته وسخ وأنه حافي القدمين؟ فاعتذر الجاهل وقال للنبي: سامحني يا كليم الله انا أمي لا أعرف عن الله شيئاً... هذا كل ما أعرف... وعلمه موسى الشريعة والوصايا, وشكره الجاهل وانصرف باكياً على ما فعل... وإذا بالله يكلم موسى قائلاً: يا موسى لقد كان عندي صديق يحدثني من قلبه وأنت علمته القانون وأفسدته... إن المحبة ليست شريعة بل هي حديث من القلب. واليوم وبفضل تعاليمك له فقد خسرت صديقاً عزيزاً علي...
فيا أخي العابد... لا تسمع إلى أي عبد... تحدث مع الله بصمتك وبقلبك وبلغتك أنت... إنه يسمع صوت قلبك قبل أن تسمعه أنت... إن القلب يعرف درب الرب...
تعرّف الى الشجرة... فهي تعرف كيف وإلى أين تمد جذورها حيث النهر ليرويها... العطش أطيب المياه, والجوع أمهر الطباخين... إذا كانت الأشجار والطيور تعرف الإتجاه فهل يليق بنا أن نكون جهلاء؟...
العطش يدلك على الماء...
وتذكرت أن أحد الكلاب كان يذهب إلى النهر وعندما يرى وجهه في الماء يبدأ بالعواء... ويعود من حيث أتى دون أن يشرب, وهكذا بعد عدّة محاولات بائت بالفشل عطش أكثر وأكثر, وذهب إلى النهر وبالرغم من وجود الكلب الآخر في الماء أي وجه الكلب ذاته فإن العطش أسكته عن العواء وشرب, وإذا بالكلب الآخر يختفي... الحوار والنقاش والجدال لا ينفع... اشرب وفسّر الماء بعد الجهد بالماء... والوجه الآخر هو وجهي أنا بشكل آخر... الصمت أفضل الحوار... الطبيعة صامتة... واللغات كلها في علم الزمن... الصوت نتيجة فوضى في الصمت... والعلم يقول بأن اللغة عمرها خمسين ألف سنة لا غير... وعالم العلم محدود والعقل يسير دائماً باتجاه الطريق المسدود... اسمع إلى قلبك فيرشدك...
فيا أخي الصامت... عندما تكون في حضرة الصلاة... أنت لست بعربي أو بأي جنسية أو صفة ... أنت أبعد من حدود أي كلمة أو لون او صوت... إن الصلاة سكينة الأولياء والعارفين بالله... فأي فكرة أو كلمة تعكّر صفو هذه البحيرة الهادئة... حصاة صغيرة ترميها في صفاء المياه تعكّر سكينتها... كذلك تفعل الكلمة أو الفكرة في بحيرة الصلاة... إنها حالة المشاهدة, ولا تجتمع مراقبة الخلق أبداً... من المستحيل أن تشاهده وتشهد معه سواه...
لقد جالست القليل من اولياء الله ولا كلمة عندي إلاّ الشكر والحمد وآمين...
إن كلمة آمين تختصر الصلة والصلاة... تختصر الشكر... إنها القبول... إنها ختم كل صلاة في المسيحية وفي الإسلام وفي ديانات كثيرة ونقولها بأحرف وبأصوات مختلفة...
لبيك اللهم لبيك... لتكن مشيئتك. أفعل بي ما تشاء... ليأتِ ملكوتك... إن الصلاة عشق والعاشق لا وقت لديه ليتحدث عن عشقه, فهو يعيش هذا لعشق, كما إن النور لا يتحدث عن نوره...
تسألني إذا كان هنالك ألبسة خاصة للصلاة؟ سامحني يا أخي على جهلي... إن الصلاة ليست بكسوتها ولكن الإنسان ضعيف وبحاجة إلى مساعدة, منها كل متطلبات الصلاة... إن الطبيعة عارية والإنسان القديم كان عاري الجسد ويقاوم الحرارة والبرد... وأما اليوم فقد تشوهت أفكارنا وضعفت أجسادنا فنحن بحاجة الى أي قوّة تساعد ضعفنا... منها اللباس المحتشم... العطر... البخور... الزاوية الخاصة... السجادة... الشمعة... أي وسيلة تذكرك بذاتك... لذلك مهما كان بيتك صغيراً أفرد زاوية خاصة للصلاة... وفي هذا الركن تغزل طاقة خاصة...
وعندما تدخل إلى الصلاة وتسجد وتستعد تنعزل عن الأكوان وتدخل في عالم المكّون... إن طاقة المصلّى أو الزاوية مهمة وكذلك الثياب الخاصة لهذه الأوقات...
إنك تقابل الله... فهو ملك الملوك... كيف تريد أن تقابله؟ الوضوء يبدأ من الداخل إلى الخارج... ولكن وللأسف نرى أن ثياب الصلاة صارت تجارة... وكأنها فريضة... أنظر الى الطبيعة... الزهرة تعطر... والشمس تشرق... والعصفور يغرد... وكلهم عراة حفاة... بالأمس رأيت سيدة وكلبها لابسين نفس البدلة وأيضاً النظارات نفسها... طبعاً لأنهم عميان... مسكين هذا الكلب...
إن الطبيعة تعيش حريتها حسب طبيعتها... هل رأيت شجرة حور مثلاً تحاور السنديانة لتقنعها بأن الحور أفضل ديانة من السنديانة؟ هل سمعت النسر يقول للفيل: إن صلاتي أفضل لأنني أطير فتعالَ أعلمك الطيران حتى تدخل الجنة وتتجنب الدخول في النار؟
وحده هذا الإنسان يحب التبشير الرخيص... وكأن الله هو حرف أو حرفة أو كسوة... أو بدلة مقدسة وطقوس ونواميس وقواميس...
الصلاة صلة منك وإليك... من عقلك إلى قلبك... إنه أقرب إليك من أي صوت أو أي كتاب إذا تعرفت إلى حياة القديس فرنسيس ترى الفرق بين كنيسة المسيح والفاتيكان الحالي... وكذلك في كل الديانات... نتعلم الصواب من الغلط... لكل شيىء سبب... ونحن المسؤولون...
لقد ذهبت الحمامة لزيارة البومة وحدثتها عن النور وطبعاً ثارت البومة لأنها لم ترَ النور في حياتها, وسألت كل قبيلة البوم وصاحوا معها: اقتلوا اليمامة الآن إنها تخرب علينا ديننا ... نحن هنا منذ الوف السنين وعلى هذه الشجرة بالذات, ولم نَر النور... إننا أبناء الظلمة واقتلوا الحمامة... وهذا ما فعلوه وهذا ما نفعله كل يوم في أنفسنا وفي عالمنا... ونرمي الحكمة في أفواه الجهلة...
فيا أخي وأختي العابدون غنى الله في كل مكان... أينما نجد حياة فهو مصدر هذه الحياة... فهو الساكن في كل الكائنات... اتصل أولاً بنفسك وبعدها تعرّف على كل من حولك... صلاتك تبدأ منك... كن ذاتك... كن تلك البذرة الصالحة التي تنبت وتموت وتصبح شجرة كبيرة يأتيها العصافير والأطفال من كل الجهات وتقدم ذاتها لمن خلقها... هذه صلاة الشجرة وصلتها وتسبيحها...