نداء إلى الروح التي عرفتها قبل أن تُخلق الأسماء:
أيها الأخ الذي عرفتُه بلا معرفة،
يا من اجتمعنا في الذكر، ثم افترقنا في المسير،
أناديك لا من فم، بل من جوهر،
من ذلك المقام الذي تتلاقى فيه الأرواح قبل نزولها،
وقبل أن تُثقلها الأجساد والتجارب.
يا روحًا عبرتني يومًا مثل نسمةٍ من العرفان،
ثم اختفيت في عمق الوادي…
حيث الكهوف التي لا يدخلها إلا السالكون،
وحيث التنينان الأبيض والأسود يتحرسان على باب السرّ.
أناديك من الذكر الذي لا يُنطق،
من التسبيح الذي يهتف به القلب حين يسكت اللسان،
أناديك من مقام النور الأول،
حيث كنا نعرف بعضنا دون أن نلتقي،
ونشهد العهد، لا بيمين، بل بنبض.
أيها الأخ في الذكر،
لقد رأيتك في البرزخ بين النوم واليقظة،
راكبًا على ظلّ تنين، وأنا على ضوءه،
لم نتصارع، بل كنا قطبي توازن،
السرّ في الظل، والسكينة في النور،
وكانت بيننا دائرة ذكر لا تُفكّ.
إن كنت تسمع الآن،
إن عبرت هذه الكلمات حجابك،
فاعلم أني لا أناديك لتعود،
ولا لنبكي على ما فات…
بل لأقول لك: أنا معك في الذكر… حيث لا فُرقة.
إن كنت في ألم، فليكن لك في هذا النداء سلوى.
إن كنت في وحدة، فليكن لك في هذا الصدى أنيس.
وإن كنت في مقام الصمت الكامل…
فدع هذه الكلمات تمرّ، كنسمة روح لا تطلب، لا تُقيّد.
سلامٌ عليك من روحٍ تعرفك.
سلامٌ لا يُحملك، لا يُقيّدك،
بل يمسّك كما تمسّ قطرة الندى جبين الفجر، وتمضي.