هل كان النبى عليه الصلاة والسلام يقرأ ويكتب.. ؟
إذا اراد شخص أن يطعن فى القرآن فعليه بكتب التراث . خصوصا ما يعرف منها بعلوم القرآن . فإذا قرأ بضع صفحات وصدق ما قرأ خرج متشككا فى آيات القرآن وسوره وكتابته وكل شئ. وقد وفرت تلك الروايات التراثية الفرصة العظمى للمستشرقين فى كل إتهاماتهم للقرآن وآخرهم المستشرق الفرنسى جاك بيرك . فى كتابه :(إعادة قراءة القرآن) .
اما إذا اردت ان تعرف الحق من القرآن عن القرآن فلتقرأ معنا بعين نقديه ما يلى:
المشهور فى كتب التراث ان النبى محمدا صلى الله عليه وسلم كان لا يقرأ و لا يكتب وانه استعان بمن يكتب له الوحى ،وان احد كتبة الوحى ارتد . ذلك كله يوحى بالشك فى تدوين القرآن ، ولكن الاخطر فى تلك الرويات هو ما قالوه عن جمع عثمان للمصحف ، وتأثر هذا الجمع بالفتن السياسية التى صاحبت خلافة عثمان ، ثم أراء أخرى تنسب للحجاج بن يوسف تغيير بعض الكلمات فى القرآن .. فأين الحق فى هذا كله ؟!
موقف شيوخنا الابرار غاية العجب، فهم يدافعون عن التراث وما يسمى بعلوم القرأن بكل ما فيها من طعن في القرآن وفي خاتم النبيين (ص) ،ولا يجرءون على مناقشتها وتوضيح خطورتها ، ثم اذا تصدى مفكر مسلم لمناقشة هذه الروايات البشريه اتهموه بالكفر وإنكار السنه . فاذا قام بعض المفكرين بنقل هذه الرويات والاعتماد عليها اتهموه بالطعن في القرأن ،مع انه ينقل من التراث "المقدس"الذي يتركونه لينفجر في عقائد الناس وعقولهم.
دعونا نسأل اولا :
هل صحيح أن النبي محمد(ص) كان لا يعرف القراءة والكتابه ؟
وهل صحيح انه عهد لأصحابه بكتابة القرأن فكتبوه حسبما تيسر على اوراق الشجر، وعلى الحجر وعلى الرقاع ؟
وهل صحيح انه ظل كذلك حتى جمعه ابو بكر الجمع الاول من أفواه الصحابه، ومن على الوراق والاحجار والرقاع؟
ثم جمعه عثمان الجمع الأخير....؟؟!!!
هل يعقل أن يكون النبي محمد(ص)الذى كانت معجزته القرأن لا يقرأ ولا يكتب؟ ذلك القرآن الذي هو معجزةعقلية لكل البشر في كل زمان ومكان، هل يعقل ألا يستطيع تدوينها فيترك ذلك لاصحابه ؟
وهل يعقل ان يكون النبي محمد (ص)لا يعرف القراءة والكتابة وهو الذي كان يتاجر للسيدة خديجة في الشام ،فكيف يكون الوكيل التجاري لايعرف القراءة والكتابة وهو يتعامل مع أهل الشام المشهورين بمهارتهم ودهائهم التجاري؟
لا يعقل طبعا .
ثم ناتي للقرأن بعد العقل........
إن القرأن الكريم يؤكد على أن النبي محمدا (ص) كان يقرأ ويكتب .
فأول ما نزل للقرأن هو امر إلهي :(اقرأ)، والله تعالي لا يأمره بالقراءة إلا إذا كان قارئا.....
ولانتصورعقلأ ان يقول له ربه : (اقرأ) فيرفض قائلأ : (ما انا بقارئ)، كما لا نتصور عقلا ان يكون ذلك الراوي لتلك الرواية حاضرا مع النبي محمد(ص) حين نزلت عليه الآية، وحتى لو حضر فكيف يسمع حوار الوحي.إذن هي رواية ملفقة.
والقرآن يؤكد على ان النبى محمدا (ص) كان يقرأ القرآن من صحف مكتوب فيها القرآن :( رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ) "البينة 2" اى كان يتلو بنفسه من صحف ،وليس من أوراق الشجر او الاحجار او الرقاع .
والقرآن يؤكد على ان النبى محمدا (ص) قبل البعثة كان لا يتلو كتبا سماوية ،وكان لا يخطها أو يكتبها ، فلما اصبح نبيا تعلم القرأة والكتابة ، واصبح يتلو القرآن ويكتب آياته ،يقول تعالى :( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ "العنكبوت 48".
ويقول تعالى عن مشركى مكة واتهامهم للقرآن بانه " أساطير الاولين " : (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ).. " الفرقان 5" ، ويهمنا هنا ان المشركين اعترفوا بان النبى محمدا(ص) كان هو الذى يكتب القرآن بيده، وان أصحابه كانوا لا يكتبون القرآن ، وإنما كان دورهم فى تملية النبى (ص) فقط إذا ارادوا نسخ بعض السور ليقرأوها ، وكانوا يملون عليه من نسخة أخرى ، وكان ذلك يحد ث بكرة واصيلا فى الصباح والمساء ، أى أنه ليس هناك كتبة للوحى كما زعموا .
بل إن هناك ايات عديده تؤكد كلها ان النبى محمدا كان استاذا للمؤمنين، يتصرف معهم كما يتصرف الاستاذ الذى يعلم التلاميذ القرآن، يتلوه عليهم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة(البقره 129،151، ال عمران77،الجمعه 2).
ثانيا :
ولكن القرآن يصفه بانه (أمى)أى لا يعرف القراءه والكتابه ، وهذا هو مفهوم (الأمى) فىالتراث.
ولكن مفهوم (الأمى)و (الأميين)فى القرآن يعنى الذين لم ينزل عليهم كتاب سماوى سابق .
فاليهود والنصارى هم اهل الكتاب او الذين أوتواالكتاب ,وغيرهم من سكان الجزيره العربيه هم (أميون)اى لم يأتهم كتاب سماوى قبل القرآن ، وبهذا كان يميز القرآن بين اهل الكتاب العرب وبقيه العرب الذين لم يكونوا يهودا,او نصارى، واقرأ فى ذلك قوله تعالى :( وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ )و(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )....(ال عمران20، 75 )....(فالأميون)أي العرب الذين لم يأتهم كتاب سماوى فى مقابل اهل الكتاب العرب ،وخصوصا ان مصطلح(عربي ) لم يات فى القرآن وصفا لاهل الجزيرة العربية اولبعضهم دون الاخر،إذ كانوا جميعا عربا، وإنما جاء وصفا للسان العربى الذى يتكلمون به ، ونزل به القرآن .إذا كان الطريق الوحيد فى التمييز هو وصف بعضهم بانهم اهل كتاب ووصف الاخرين بانهم "أميون". بل وصف القرآن بعض الذين يقرأون ويكتبون من اليهود بأنهم "أميون" حيث كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يزعمون انه من عند الله .. فقال أنهم "أميون" لانهم جهلوا بالكتاب السماوى فاصبحوا كباقى العرب الذين لم يأتهم كتاب سماوى ، والخلاصة ان كلمة "أمى" لا تعنى الجهل بالقرءة والكتابة ، وإنما تعنى غير اليهود والنصارى .
المهم أن نفهم القرآن بمصطلحاته هو ، وليس بمصطلحات التراث ، والمهم أيضا ان وصف النبى محمد (ص) بالامى يعنى الذى لم ينزل عليه كتاب من قبل القرآن ، مثل قومه الأميين .
ثالثا:
نفهم مما سبق انه ليس هناك كتبة للوحى ، بل هناك كاتب وحيد للوحى هو محمد (ص) نفسه، وهو وحده المؤتمن على كتابة القرآن . والسؤال الهام هو: لماذا ؟.
لأن للقرآن الكريم نوعية خاصة من الكتابة ، وهذه الكتابة القرآنية لا تزال حتى الان مختلفة عن الكتابة العربية
العادية ، وهى ما يعرف الان بالرسم العثمانى نسبة الى الخليفة الثالث عثمان بن عفان ،والذى حدث ان النبى (ص) اتم بنفسه كتابة وجمع القرآن وترتيبه فى نسخة اصلية ، ومات (ًص) تاركا هذه النسخة لدى أم المؤمنيين حفصة. وكانت تلك النسخة الاصلية مرجعا للتلاوة ،وفى عهد أبى بكر قام بنسخ -اى كتابة- أول مصحف.. فالذى فعله أبو بكر ثم عثمان هو نسخ المصحف من النسخة القرآنية الاصلية المكتوبة بخط النبى (ص) وليس كتابة او جمع القرآن ، بل ان كلمة "مصحف" ليست من مصطلحات القرآن ،بل هو اصطلاح نبت بعد النبى (ص) ليدل على الحصول على نسخة من القرآن تتكون من "صحف القرآن بين دفتين " فيكون ذلك مصحفا، وذلك ما فعله أبو بكر و الصحابة خلال الفترة الاولى قبل الفتنة الكبرى. وفى عهد عثمان توطدت الفتوحات وانتقل القرآن بالمصاحف الى تلك البلاد بعيدا عن المدينة ،وحدث خلط فى نقل المصاحف حيث نقلوا بعضها بالكتابة العربية العادية المخالفة لنوعية الكتابة القرآنية. وكان حتما ان تختلف القراءة وان يختلف المسلمون، ولذلك اسرع عثمان فجمع المصاحف المخالفة واحرقها وألزم الناسخين بنقل النص القرآنى بالكتابة القرآنية الفريدة .
ولا زال ذلك مرعيا حتى الان ، وهو ما يعرف بالرسم العثمانى نسبة الى عثمان .
ونعود الى نفس السؤال :
لماذا كان النبى (ص) هو الوحيد الذى كتب القرآن ، ولماذا يكتب القرآن بهذه الكيفية المختلفة عن الكتابة العربية العادية ؟
نعود الى الآية الكريمة التى عرضت لاستهزاء المشركين بالنبى ، وهو يكتب القرآن بنفسه يمليه عليه اصحابه : (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ).. " الفرقان 5")، وياتى الرد من الله تعالى بإشارة غير متوقعة :( قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) الفرقان 6 )
أى فالقرآن ليس اساطير الاولين ، بل إن الله تعالى الذى انزله هو الذى ( يعلم السر فى السماوات والارض).
وهو تعالى الذى ادخر سرا فى نوعية الكتابة القرآنية ليكون أحد مظاهر الاعجاز فى عصور ستأتى فيما بعد .
ونعطى بعض الامثلة السريعة ، ان هناك سرا فى ان كلمة واحدة مثل "الايكة" تكتب بطريقتين مختلفتين ، ففى سورة (الحجر:78) ، وسورة (ق:4) تكتب هكذا (الأَيْكَةِ ) ، وفى سورة (الشعراء:176 ) ، وسورة (ص: 13) تكتب هكذا (لئيكة) ، وكلمة( إذن) تكتي احيانا (إذن) واحيانا (إذا) .
والالف تحذف من بعض الكلمات ويعوض عنها بالف صغيرة مرسومة مثل : ( الرحمن ، السموات) ، وتبقى الألف فى كلمات اخرى (الناس ) ، ( السيارة) ، واحيانا تاتى نفس الكلمة بألف مثبتة احيانا ، ومحذوفة الالف احيانا مثل كلمة (تبارك) و(تبرك) .
ولا شك ان هناك قواعد سرية للكتابة القرآنية ، ولكن لم يكشف عنها النقاب بعد ، لانها مرتبطة بأعجاز عددى ورقمى بدأت ملامحه تظهر ، وستتوالى الاكتشافات مع دخول العالم فى عصر ثورة المعلومات حيث تصبح الارقام هى اللغة العالمية السائدة بالكمبيوتر، وحيث تتضح وتتأكد علاقة الكتابة القرآنية وحروفها بالارقام ، وحيث يتأكد الغرب المتقدم الذى لا يؤمن الا بالعلم المادى ان الذى انزل القرآن لا يمكن ان يكون سوى خالق السماوات والارض ، والذى يعلم السر فى السماوات والارض ، وحيث يتأكد من يعبدون التراث ان ذلك التراث أساء للقرآن الكريم حين كتب عنه هذه الروايات .
رابعا:
ذلك الإعجاز الذى يرتبط إرتباطا وثيقا بنوعية الكتابة الفريدة للقرآن .
1-بدأ ذلك الدكتور عبد الرزاق نوفل فى كتابه( الإعجاز العددى فى القرآن الكريم) ودار كتابه حول التناسق الغريب بين كلمات القرآن . فمثلا كلمة (الدنيا)وكلمة( الآخرة)كل منهما تكرر فى القرآن (115) مرة.
2-ومن خلال الكمبيوتر إكتشف الدكتور رشاد خليفة إعجاز الرقم (19) فى كلمات وحروف وآيات القرآن . والعلاقات المعقدة بينها . وكان ذلك الإعجاز الذى اكتشفه فوق تحمل إمكاناته العقلية فإدعى النبوة .ولقى مصرعه... وكنت شاهدا على طرف من حكايته .
3- وتلقف منه الراية مصرى مقيم فى كندا وهو الاستاذ محمد مصطفى صادق . وأجرى ابحاثه حول الرقم (7) فى القرآن . وعثر على نتائج غريبة فى تناسق الحروف والكلمات فى الكتابة القرآنية .
4- ثم إختار الأستاذ مراد الخولى –المصرى المقيم فى كندا ـ نهجا آخر فى كشف الإعجاز فى الكتابة القرآنية . هو حساب قيمة الكلمة القرآنية عدديا طبقا لعلم الحرف . حيث يكون لكل حرف قيمة عددية . ووصل إلى نتائج مذهلة .. وربط احيانا بين هذه النتائج والأعجازات المتصلة بألرقم (19) . (7)
والواضح أن البحث لا يزال فى بداية الطريق .. وأن الإعجاز العلمى للكتابة القرآنية يستلزم المزيد من الجهد ، وسيكون حديث الدنيا فى القرن الواحد والعشرين .. والله تعالى اعلم .
دكتور احمد صبحى منصور