بسم الله الرحمن الرحيم
وصايا النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر الغفاري رضوان الله عليه
روى أبي ذر الغفاري رضوان الله عليه فقال: دخلت ذات يوم على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في مسجده، فلم أرَ في المسجد أحداً من الناس إلا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وعليّ عليه السلام إلى جانبه جالس، فاغتنمت خُلوة المسجد، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أوصني بوصية ينفعني الله بها.
فقال صلّى الله عليه وآله وسلم: أنعِمْ وأكِرمْ بك يا أبا ذر، إنك منَّا أهل البيت، وإني موصيك بوصية، فاحفظها، فإنها جامعة لِطُرُقِ الخير، وسُبُله، فإنك إذ تحفظها، كان لك بها كِفل .
يا أبا ذر: أعبد الله كأنك تراه. فإن كنت لا تراه، فإنه عزّ وجلّ يراك، واعلم أن أوّل عبادة الله المعرفة به. إنّه الأوّل قبَل كل شيء، فلا شيء قَبْلََهُ، والفرد، فلا ثاني معه، والباقي لا إلى غاية، فاطرِ السموات والأرض وما فيهما، وما بينهما من شيء، وهو اللطيف الخبير. وهو على كل شيء قدير. ثم الإيمان بي، والإقرار بأنَّ الله عزّ وجلّ أرسلني إلى كافة الناس، بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ثم أحِبَّ أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
واعلم يا أبا ذر: أنّ الله جعل أهل بيتي كسفينة النجاة في قوم نوح، من ركبها نجى، ومن رَغِبَ عنها غَرِق، ومثل باب حِطَّة في بني إسرائيل، من دخله كان آمنا.
يا أبا ذر: احفظ ما أوصيك به، تكن سعيداً في الدنيا والآخرة.
يا أبا ذر: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ.
يا أبا ذر: اغتنم خمساً قبل خمس: شبَابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتك قبل سَقَمِك وغِنَاكَ قبل فقرك، وفراغَك قبل شغلِك، وحياتَك قبل موتِك.
يا أبا ذر: لو نظرت إلى الأجل ومسيرِهِ، لأبغضت الأملَ وغرورَه.
يا أبا ذر: كن في الدنيا كأنك غريب، أو كعابر سبيل، وعدّ نفسك في أهل القبور.
يا أبا ذر: إذا أصبحت فلا تحدِّث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدِّث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سَقَمِك، ومن حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري ما اسمك غداً.
يا أبا ذر: كن على عمرِك أشحّ منك على درهمِكَ ودينارِك.
يا أبا ذر: إن شرّ الناس عند الله عز وجل يوم القيامة، عالم لا ينتَفَعُ بعلْمِهِ، ومَنْ طلَبَ عِلماً ليصرِفَ به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنة.
يا أبا ذر: من ابتغى العلم ليخدع به الناس، لم يجد ريح الجنة.
يا أبا ذر: إذا سُئِلْتَ عن علم لا تعلمُهُ، فقل: لا أعلمه، تنجُ من تبعته، ولا تُفتِ الناس بما لا علم لك به، تنج من عذاب يوم القيامة.
يا أبا ذر: تطلَّع قوم من أهل الجنة إلى قوم من النار، فيقولون: ما أدخلكم النار؟ وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم! فيقولون: إنّا كُنّا نأمُرُ بالمعروف ولا نفعله..
يا أبا ذر: إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد، وإن نعم الله عزّ وجل أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أمسوا تائبين وأصبحوا تائبين.
يا أبا ذر: إنكم في ممرِّ الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن يزرع خيراً يوشك أن يحصُد زرعه، ومن يزرع شراً، يوشك أن يحصد ندامة، ولكلِّ زارعٍ ما زرع.
يا أبا ذر: إنَّ المؤمن ليرى ذنبَهُ كأنّه تحت صخرة، يخاف أن تقع عليه، والكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مرَّ على أنفه.
يا أبا ذر: إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيراً جعل الذنوب بين عينيه ممثلة. والإثم عليه ثقيلاً وبيلا. وإذا أراد الله بعبده شراً أنساه ذنوبه.
يا أبا ذر: لا تنظر إلى صِغَر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت.
يا أبا ذر: من وافق قوله فعله، فذلك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فإنما يوبِّخ نفسه.
يا أبا ذر: إن الرجل ليُحرَم بالذنب يصيبه.
يا أبا ذر: إنك إذا طلبت شيئاً من الدنيا، وابتغيته، وعسِر عليك، فإن لك على كل حال حسنة.
يا أبا ذر: لا تنطق فيما لا يعنيك، فإنك لست منه في شيء، واخزن لِسانك كما تخزِن رزقك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين