ملوك الجن : رموز وألوان
تتجلى في الليلة الكناوية 7 ألوان موزعة على عشر مقامات أو "محلات"كمحلة الأبيض، الأسود، الأزرق، الأحمر، المبرقش، الأخضر، ثم الأبيض والأسود، و الأبيض و الأصفر حيث تتكرر بعض الألوان لكن داخل "محلات" مغايرة بفضائها الطقوسي وبنوع جذبتها ، (النزول) يتم داخل ألوان سبعة رمز موقع السبع التي تقترن رمزيتها بالألوان السبعة لقوس قزح المنتظمة بين عالمين في شكل قنطرة أو جسر رمزي لعبور الكائنات السماوية نحو العالم الدنيوي والسفلي وتتمتع الأعداد الفردية في الثقافة الإسلامية سواء داخل النصوص الأساسية أو في الشروحات بنوع من القدسية: - الله وتر يحب الوتر- أسماءه 99 - الصلوات و الأركان 5- السماوات7...الخ.
- المحلة الأولى لا تخصص لمناداة لاسم جن أو ملك أو إبرازه أو إظهاره، بل إنها تمهيد و تهيء بكل متطلبات التمهيد(بخور و إنشاد)(فاتحة المكان)، حيث يتمحور الكلام الطقوسي حول اسم الله المعظم و أسماء أولياءه الصالحين ، ويمنح الهجهوج الليلة الكناوية نظاما مثلما يعكسها في صيغة طقس كامل مهمته الأساسية تحويل العدد إلى إيقاع، والإيقاع إلى لون واللون إلى ملك و الملك إلى اسم والاسم إلى جسد و الجسد إلى كتابة راقصة(جذبة).
- فمثل كل فاتحة قدسية تؤدي فاتحة الليلة الكناوية وظائف الوقاية لمن سيلج عالم الجذبة في المحلات القادمة ، وتتوسط"المقدمة" أو (الطلاعة) الرحبة جلوساً و هي مكسوة بالأبيض مؤشرة بذلك على أن الجذبة ستكون جذبة أصحاب اللون الأبيض (محلة البويض) من ناحية، ومن ناحية أخرى على أن اللون المتوافق مع قدسية الفاتحة هو الأبيض.
- مع جذبة "المس" أو "التملك" تحضر محلة "الكوحل" (أصحاب اللون الأسود) بشكل فعلي ونقول بشكل فعلي لأن حضورها يبدأ داخل "فتيح الرحبة" فضمن هذه الأخيرة تتم المناداة على "بلال"رمز هذه المحلة الأكبر أو لنقل رمزها القدسي الديني. وتعتبران (لالة ميمونة) و (سيدي ميمون) من أهم ملوك جذبة الكوحل بالرغم من أنهم ليسوا الملوك الوحيدين و يشتركان كونهما كائنين مختلطين.
- بعد مرحلة "الكوحل" أو (الخدام الأربعة)، تستعد الرحبة لاستقبال محلة الزرق المميزة بلون السماء ولون البحر (السماويون و البحريون).
- ثم محلة الحمر (أولاد بلحمر) أو( أصحاب الكرنة) حيث تتم المناداة على الملوك الحمر مثل (سيدي حمو) و (حمودة)، يعتبر اللون الأحمر لون العنف الطقوسي، لذلك يرتبط حضوره بنشر وإسالة دم الأضحية سواء كانت قربانية (الهدايا القربانية) أو إبدالية (دم الفاعلين القربانية)، يقترن الملوك الحمر بالكرنة (مكان دبح الأضاحي) لدرجة ينعتون معها بأنهم (مالكين الكرنة) أصحابها و تتحول الرحبة إلى كرنة رمزية فالجذب يتم بخنجر أو كمية(سكين).
- بعد محلة "الحمر" يستمر النزول داخل الليلة الكناوية على أدراج محلات و ألوان و ملوك الخضر (أصحاب اللون الأخضر)، و الزرق السماويون ثم "رجال الغابة" وهم صنف ضمن محلة اللون الأسود ليستقر مآل النزول عند محلة الملوك الإناث أو "العيالات" أو "البنات" المميزة بتربع اللون الأصفر على عرش محتلها.
- مع بروز ضوء النهار الصباحي تستقر "الدرديبة"، داخل محلة لالة ميرة (الأصفر)، وتحت ظلها يحظر ملوك أنثويين عديدين مثل (لالة مليكة) المعروفة بلونها القوقي(البنفسجي) و (لالة رقية) بلونها الأحمر، و (لالة عيشة) بلونها الأسود، و (لالة مريم/الشلحة) ولالة فاطمة.
الملكة "ميرة "
إن (الملكة ميرة) في معتقد العامة جنية من الملوك تصيب النساء بلوثة الغيرة و الحسد، وبشكل خاص منهن الشابات المتزوجات حديثاً، واللواتي يغيظها جمالهن ولذلك فإن المرأة الجميلة التي لا تشعر بنفسها على ما يرام تعتبر أن أذى (ميرة) أصابها وتشجعها على الاعتقاد في ذلك (الشوافة ) أو (الطلاعة) أو (العرافة) الكناوية في (ليلة الدردبة) وجميعها أسماء للساحرة الكناوية بحسب المناطق المغربية.
ولا تعتبر الموسيقى التي تعزف في ليلة الدربة مجرد إيقاعات راقصة قوية كما قد يبدو لغير العارف بخبايا (كناوة) بل إن المقاطع الراقصة تتوزع وفق نسق يجعل الفرقة الكناوية تعزف تباعاً الإيقاعات الخاصة بملوك الجن السبعة الذين يقدسهم أفراد الطائفة، بحيث يستطيع الممسوسون من الجن أن يجدوا ضالتهم في أحدها ، فإذا كانت إحداهن ممسوسة بأذى (الملكة ميرة) مثلاً، فان الفرقة ما أن تعزف لحن تلك الملكة حتى تنهض الممسوسة كما لو أنها مدفوعة من قوى خفية فتشرع في إطلاق ضحكات هستيرية مخيفة ثم تبدأ في الجذب المحموم مع الصراخ والتمرغ على الأرض وتطلب من المحيطين بها أن يعطوها «قاقة» التي تعني في لغة الأطفال الحلوى، فيسرعون مناولتها شيئاً حلواً، لان الملكة هي التي طلبت الحلوى (كما يعتقد) وبعد أن تسقط الممسوسة وهي تتلوى تسارع إليها معاونات العرافة لرمي غطاء من الثوب فوق جسمها المطروح أرضاً وينبغي أن يكون الثوب من اللون المفضل للملكة التي تكون آنذاك بين الحضور (بحسب المعتقد).
بذل الأضاحي لـ ميرة
ثمة مناسبات في يومية الطائفة تستغل لإستحضار الأرواح العليا لغرض توسل تدخلها لقضاء بعض المطالب ذات الطابع السحري ، فخلال عيد الأضحى الذي يسميه المغاربة «العيد الكبير»، يعتقد كناوة في أن لدم أضحية العيد خصائص سحرية تجعلها قرباناً مقبولاً من (الملوك)، وتستغل الشوافة الكناوية (قارئة الحظ) المناسبة لأجل التقرب من ملكة الجن (لالة ميرة) كي تمنحها القدرة السحرية على النظر في عالم الغيب، فالجن بحسب المعتقد يطلعون على محتوى اللوح المحفوظ الذي دونت فيه مصائر البشر ، وتقوم عملية التقرب من ملكة الجن على مجموعة من الطقوس فيتم تبخير مكان الذبح بالبخور السبعة التي تروق روائحها للملوك، ويعد طبق من عناصر سحرية متنوعة (مواد غذائية، حناء، ماء الورد، .. الخ) فبسحب اعتقادهم يقبل الملوك على أكلها بنهم، وبمجرد ذبح خروف العيد يقدم قليل منه حاراً للـ "شوافة" كي تشرب منه، ويمرر أحد شيوخ الطريقة الكناوية الدمع على جبهتها وهم جلوس.