الأنبياء والحكماء جاؤوا للتوحيد والسلام والمحبة بين الناس جميعاً... لكن الناس انقسموا وتصارعوا وصار المسلمون يفكرون أن المسلمين فقط هم الذين لهم الجنة، أما غير المسلمين فهم مساكين وذاهبين إلى النار، والحالة نفسها عند المسيحيين واليهود والبوذيين والهندوسيين: الإنسان غير الهندوسي ليس عنده أي فرصة أو أمل... والمسيحيون يفكرون أن الذين لا يذهبون إلى الكنيسة فلن يعبروا عبرها إلى بر الأمان وسيعانون من نار الجحيم المؤبدة إلى الأبد.... هذا دون ذكر عشرات الطوائف في كل دين....
العارف بالله يرى بنور الله: لا يوجد إنسان خيّر ولا إنسان شرير، لا شيء نظيف ولا شيء قذر، الأشياء كما هي فحسب... جرّب أن تلاحق الشجرة بأسئلتنا الغبية: "لماذا أنت خضراء؟ لماذا لونك ليس أحمر؟؟؟!".. وإذا أنصتت الشجرة لك فسوف تجن وتتعقد نفسياً وتقول لنفسها:
"لماذا لوني ليس أحمر؟ لماذا؟ حقاً السؤال هام جداً ولم يخطر على بالي من قبل.. لماذا أنا خضراء؟"
قم بإدانة اللون الأخضر وقم بتمجيد ومديح الأحمر، وعاجلاً أم آجلاً سترى الأشجار مستلقية على أسرّة الأطباء النفسيين وتخضع للتحليل النفسي وأدوية الاكتئاب!!!
لقد قمتَ أنت منذ البداية بصنع المشكلة، ثم يأتي شخص آخر صديق لك ليعمل كمنقذ، وهذا عمل وتجارة وأرباح جيدة لكما معاً....
الرؤيا بالبصيرة تقطع جذور المشاكل من الأصل.. ويقول المعلم المستنير لك: أنت كما أنت، وحالك هي حالك، لا يوجد شيء لتحسّنه ولا مكان لتذهب إليه ولا هدف لتحققه... وهذا هو كل المقصود: أنت إنسان وخليفة ومستنير وحكيم كما أنت، ولا يوجد أي زيادة لتضاف لك... "الزيادة" ستسبب المشاكل ليس إلا...
فكرة "الزيادة" ستصيبك بالجنون... فاقبل الطبيعة وعش طبيعياً، ببساطة وعفوية، لحظة بلحظة، وستأتيك اليقظة والبركة ونور القداسة والإيمان، ليس لأنك قمت بحفظ الكتب وأداء الفروض، بل لأنك مكتمل كامل كما أنت.
بالبصيرة، لا شيء مكتمل ولا شيء ناقص.. هذه القيم بلا قيمة...
لا شيء جيد ولا شيء سيء... الدنيا والآخرة والجنة والنار متشابهان... لا حدود فاصلة بين هذا العالم والعالم الآخر بل امتداد مع المدد... مع البصيرة تختفي البصرة... تختفي كل الفوارق والفواصل لأنها مصنوعة من الفكرة...
وباختفاء الأفكار في الفناء سيختفي الإناء ويجمعنا الماء...
أفكارنا المختلفة تسبب الاختلافات وأحياناً الخلافات...
عندما تختفي المعرفة والأفكار يظهر العرفان...
لا يوجد ثنائية بل توحيد أحد مع كل إنسان...
الله في قلبي وأنا في قلب الله... المحيط في القطرة والقطرة في المحيط...
إذا أدركتَ هذا التوحيد ستختفي كل هواجسك وقلقك لأنك إنسان ناقص:
لا يوجد كمال ولا يوجد نقصان.. انظر إلى هذا وشاهده الآن!
لا تأتي لاحقاً وتسألني كيف أقوم بذلك....... لا يوجد "كيف" من الأساس.
"كيف"، ستجلب المعرفة من جديد، والمعرفة هي البلاء.
إذا كنتَ في حالٍ من اللافكر ستتناغم مع الكون... باختفاء دوران الأفكار بينك وبين الحقيقة، ستختفي كل الحواجز وتتصل بالأصول... وهذا ما يتوق إليه الإنسان على الدوام...
إنك تشعرُ بانفصالك عن أصلك كالشجرة المقطوعة الجذور، وهذا هو بؤسك الحقيقي، وأنت مقطوع الجذور بسبب الأفكار المشتتة التي تفصلك...
ارمِ هذه الوسيلة التي تفكر! الله بسيط ليس بحاجة إلى وسيط أو وسطاء...
انظر إلى الحقيقة كما هي، دون أي فكرة في فكرك، دون أي فكرة عن كيف يجب أن تكون...
انظر بعين البراءة... بعين اللامعرفة وهذا هو العرفان....
تزول كل هواجسك وعقدك... وتعيش كإنسان...
باطمئنان وأمان مطلق دون حاجة للضمان...
وبزوال المشاكل والأحوال، ستصبح مسيحاً آخر ونبياً عدنان..
أنتم جميعاً أنبياء وحكماء، لكنكم لا تدركون ولا تتذكرون...
لأنكم تحملون الوسائط الفكرية العازلة...
لديك عيون ممتازة لكنك ترتدي النظارة، وتقوم النظارة بعزل وتشويه النظر وتلوين المناظر.... فانزع النظارة عن عيونك!
هذا معنى ما نقول: ارمِ الفكر....
تخلّى عن الفكر تأتيك نعمة الصمت... وفي هذا الصمت أنت مبارك...
لم تكن أبداً غير ذلك، أنت دائماً تسير بالبركة والنعمة...
لكن الذكرى المفقودة عادت إليك الآن....
فجأة رأيتَ تفاهة ما تحاول القيام به: تحاول وضع قدمين للحيّة... لم يكن هناك أي حاجة بالأساس لأن الحية لا تحتاجها وهي مكتملة كما هي، تستطيع الحركة دون أقدام... لكنك فقط من باب الشفقة على الحية المسكينة ستحاول تثبيت قدمين لها... إذا نجحتَ ستقتل الحية! لكن من حسن الحظ أنك لن تستطيع النجاح أبداً......
إنك تحاول جَمع وبَلع المعلومات والمعارف لكي تصبح مثقفاً وعالماً وفقيهاً و و و و... ولهذا أنت تفقد الإدراك... تفقد البصيرة الأهم من أي بصرة وفكرة!!!!
بتكديس المعرفة ستخسر التعرّف.. ستخسر قدرتك على الرؤية والتصرّف...
هذا ما قصدتُه بـ "وضع القدمين للحيّة".........
التعرّف هو طبيعتك الأصلية...
لا حاجة لامتلاك المعرفة لكي تعرف....
وفي الواقع، المعرفة هي العائق، المعرفة هي البلاء...
تخلّى عن المعرفة وكُن عارفاً بالأحوال.....
لقد كنتَ دائماً مستنيراً ولا تزال...
فقط تذكّر ذلك الحال...