|
|
28-01-2012, 14:50 | رقم المشاركة : 1 | |
|
مدخل الى كتب دار الأعماق
یعیش الإنسان في العصر الحدیث نوعا من الھوس المادي أفقده الكثیر من قیمة الإنسانیة ، فأمسى وقد فقد أمنھ النفسي بعد أن ضاع أمنھ السیاسي ، والثقافي ، والاجتماعي ، والغذائي... فكأن ھذا العصر عصر تضؤل الأمن وضیاع القیم واختلال الموازین... بل ھو كذلك . وعاد الإنسان بع حین من الدھر یناھز الثلاثین ملیونا من السنین (وھذا آخر ما وصل إلى تقدیره علماء الأناسة والإحاثة والآثار) لیجد نفسھ وقد حكم علاقاتھ مع بني جنسھ قانون الغاب ، الذي أفنى كل ھذا العمر في تعدیلھ وتغییره ووضع بدائل لھ ھي مجموعة من القوانین والأوفاق والأعراف ظلت حبرا على ورق ، دون أن یستطیع الخروج من دائرة الحیرة التي تلفھ ، ودوامة الشك التي تتقاذفھ ، ودوامة القلق التي تبتلعھ وتوغل في إذلالھ باسم التقدم ، وتقزیمھ باسم التعملق ، وتفتیت روابطھ مع إخوانھ البشر باسم الالتزام . یعیش الإنسان الیوم ، في المحافل والمعاقل والسجون والمختبرات ، فیعتبر نفسھ صانع ا للمعجزات ، صانعا للخیر ، وصانعا < للغد الأفضل> فھو في المحافل یصرخ ویعول ویتصبب عرقا اقتناعا بما یقول وما یفعل ، وھو في المعاقل یرسم ویخطط ویھيء ویبیّت لماذا؟ لضرب نفسھ ، لنسف صرحھ ھو ، ولیضحك بعد ذلك على ذقنھ ھو!... أما السجون ، فھي سجون فھمھ الضیق الذي نضحت فیھا المادیة والأنانیة ونضحتا بشتى الروائح ، إنھ ا سجون المیز ، وسجون التبعیة للغیر ، وسجون الاقتناء ، وسجون الخوف من المستقبل ، باختصار ، ھي سجون ((الأنا)) . وفي المختبرات ، یعود ھذا الإنسان بعد عاد وثمود وأیكة وتبع وفرعون لیدعي الألوھیة من جدید ، لكنھ یفعلھا ھذه المرة بذكاء . كیف لا وھو واطىء سطح القمر ، وصانع أطفال الأنابیب ، وواضع استراتیجیة حرب النجوم (مسكینة ھذه النجوم ، حتى ھي لم تسلم من ثقل دم إنسان الیوم) . إنھ یخاف الفقر وھو في منتھى الغنى ، یخاف الضعف وھو في أوج القوة ، ویخاف التمزق والتفكك فیسعى إلى تكریسھما ... والنتیجة؟ مئات المذابح والمجازر ، وملایین عملیات الانتحار الفردیة والجماعیة التي لا تحمل في طیاتھا سوى معنى واحد یعبر عنھ بلفظ واحد ھو ((الحیرة)) . صحیح أن إنسان الیوم ضبط قوانین المادة وأحكم القبضة على أسرارھا فطوعھا حسب مشیئتھ ورغبتھ وھواه ، لكنھا كانت مشیئة التدمیر ، والرغبة في الاستئثار وھوى التسلط والتملك . وصحیح أن إنسان الیوم غیر معالم جزء بل أجزاء من كون أوجده خالقھ لیخدم ھذ ا الإنسان ویطیعھ لكن بحق ، وبعلم ، وبسلطان . ثم نجد ھذا الإنسان یعود في خاتمة المطاف فیعلن أن حساباتھ كانت خاطئة ، وأن علیھ أن یعید النظر في ھذه الحسابات من جدید . لقد أقرت مجموعة من فیزیائي ھذا العصر أن المادة لم تعد ھي ما <لا ینفى ولا یخلق من العدم > وأن الأصل ھو الطاقة والقوة والحركة (الذي ھو باطن المادة) وإنما ھذه المادة تعبیر أو شكل من أشكال التعبیر عن وجود ھذه الطاقة ، ولذلك فالطاقة ھي نفسھا لا تختلف ، وإنم ا اختلفت المادة بحسب اختلاف أشكال التعبیر الطاقوي . إنھم بذلك یسجلون عدم جدوى اقتصار الإنسان على الانكباب على معالجة المادة بالتجریب ، ویقرون دعوة ضمنیة إلى إعطاء باطن المادة وجوھرھا حقھ من المعالجة والتأمل والسبر حتى تكتمل النظرة وتستوي المعرفة . إن ھذه الدعوة ما ھي سوى إقرار بمبدأ الوسطیة الذي ینادي بھ الإسلام منذ أقره اللھ دین ا لعباده . الوسطیة التي لا تقول بمادة بلا روح ، ولا بروح دون مادة ، وإنما بتعامل متكافىء مع الكون ومع الموجودات والظواھر یؤخذ فیھ الظاھر والباطن بعین الاعتبار ، ولا أخال إلا أن جمیع ما وصلوا إلیھ من نتائج في أعمالھم التجریبیة یحثھم على ذلك حثا . إن المعرفة التي ظل الإنسان یتغنى بھا ثم أصبح یتشدق بامتلاكھا ما ھي في الحقیقة سوى معرفة ناقصة یلوح نصفھا ویغیب نصفھا الآخر . فالعالم التجریبي بلغ الآن إلى إحدى المرتبات الحرجة في مساره ، وبدأ یقف مرتبكا كلما استوقفھ سؤال غیبي لھ علاقة بصمیم عملھ ، وما أكثر ما توافرت الأسئلة الغیبیة المطروحة على العلم في الآونة الأخیرة . إن العالم كان إلى فترة عھد قریب في عمر الزمن یعیش عصرا یمكن تسمیتھ بعصر الفلسفات ، أو عصر الثبات ، وكان ھذا العصر یمیزه نوع من التجانس أو التعایش المتسم بالنزعة المثالیة ، في ظل عدد من القیم والمثل العلیا التي كان یتشوف إلیھا جیل ھیجل ، وجیل أفلاطون من قبلھ بكثیر . وخلال ھذا العمر الزمني لم یحدث أن وجد الإنسان نفسھ في طریق مسدود أغلقت جمیع ممراتھ ومخارجھ فما وجد فیھا منفذا . أو أمام زحمة الأسئلة المعجزة فما عرف لھا ردا وما عثر لھا على إجابة . وھذا الاطمئنان النفسي للإنسان كان یستوجب توفر شروط غیر قلیلة من بینھا بل في قمتھا ، الأمن العقدي الذي لا یخرج عن نطاق الإیمان بدین أو عقیدة والإخلاص لھذا الإیمان والاطمئنان إلیھ . فقد كانت الدیانات لا تزال لھا حرمتھا ، وللعقائد والمذاھب أتباعھا ومعتنقوھا الذین كانوا یجدون في أحضانھ ا الحلول لمشاكلھم النفسیة . والأجوبة على أسئلتھم غیر العادیة ، مما ھو غیر مرئي أو خارق للقانون والعادة ، ویمارسون في غمارھا نوعا من التسامح والتغاضي فیما بین مجموعاتھم ومذاھبھم المختلفة حتى یتم التعایش . غیر أن ھذا العالم ، عاد في الفترة الزمنیة التي تلت ذلك ، فألقى غطاء سمیكا على الفلسفات والعقائد والمذاھب الفلسفیة والروحیة ، وفتح صفحة جدیدة من التاریخ أخذ في كتابتھا بمداد من دماء الحروب الكونیة ، وزیوت الآلات والمعامل ، وشتى أنواع المواد والسموم الآخذة بناصیة الإنسان إلى نھایتھ ووضع الإنسان بذلك ختمھ علة نھایة عصر الثبات أو عصر الفلسفة ، ودلف إلى متاھة لا أثر لأیة فلسفة فیھا أو مذھب ثابت ، وإنما ھي أعداد ھائلة مما یطلق علیھ لفظ <إیدیولوجیات>، والتي لیست سوى مواقف متنافرة ومتباینة لا أساس ثابت لھا ، ولا أصل بمفھوم الكلمة . إنھ عصر الفلسفة الحائرة واللاعقیدة واللادین ... إنھ عصر العبث . وھنا حل بعد الثابت المتحول ، وبدل الاتزام الحریة المطلقة التي لا تستند على أي أساس ، وبدل الحكمة والتبصر والتھور والزیغ ، وحل مقابل العمق والتأصل نوع من السطحیة لا یصمد أمام تیارات الجرف ولا أمام عوامل الجذب والتقاذف ، فإذا الحاجة ماسة إلى البحث عن فلسفة أو فلسفات جدیدة للحیاة ، وإلى بناء مرافىء صالحة ترسو قیھا سفن التكفیر البشري وتھدأ وتتریث إلى أن تسكن العاصفة فترى ما یمكن أن یسحب من الماضي وما یحسن أن یبتدع للمستقبل إن بقي ھناك مستقبل ، أما ھذا الحاضر فلا أمل ولا بصیص فیھ . ھند ھذه المرحلة من الفھم فقط بدأت العلوم الباطنیة تعود إلى الظھور بعد طول ترقب وتربص ، لكنھا لا تعود لتحرف معھا الإنسان إلى غیاھب المتافیزیقا والانكباب على م ا یسمیھ البعض بالروحانیات ، إذ أن ھذا الخطأ ولا یمكن أن یسمح لھ بأن یتكرر (وھنا یجب إقصاء الإیدیولوجیة التي تقترح نفسھا كطرائق باطنیة . فإذا جاز أن نعتبرھا كذلك ، فھي منحرفة مثل القادیانیة والماسونیة والباھائیة وغیرھا كثیر) ولكن لتضع معطیاتھا وتفسیراتھ ا وأجوبتھا التي ھي معطیات وتفسیرات وأجوبة العلوم الدینیة - المستقاة أصلا من القرآن الكریم- في الكفة الأخرى من المیزان (مقابل كفة العلوم لتجریبیة) لتكتمل النظرة وتكتمل الصورة ویصلح العلم . فماذا یمكن أن یقال عن علم الباطن كتعریف فما ھو تعریف علم الباطن في بدایة الأمر ، أو بعبارة أخرى ، ما ھو علم الباطن عموما؟ قبل البدء في تعریف علم الباطن ، وتوضیح مواقف علمھ من تیارات التحریف والشرك والإلحاد ، وتصدیھ افضحھا أولا ، ومحاربتھا ثانیا ، بما فیھا ممن یطلقون على أنفسھم صفة الباطنیة وإنما ھم باطنیون منحرفون ، أقول ، قبل البدء في ذلك أرى أ، ألفت النظر إلى نقطة ھامة وجب الوقوف عندھا قبل الخوض في ھذا الضرب من الموضوعات . إن المنطلق الوحید لعلم الباطن یتمثل في أن الإسلام ھو مكان ، فھو الدین البدیل لكل اعتقاد أو فكر یجب إصلاحھ ومسألة أحقیة الإسلام بھذه المرتبة لا تقبل المجادلة ، ولا حتى التفكیر في المجادلة ، لأنھا نابعة من أمر إلھي لا مجال لمناقشتھ . فالله سبحانھ ارتضى الإسلام دینا لعباده ، وأتم رسالة الدین على ید خاتم أنبیائھ ورسلھ محمد صلوات الله وسلامھ علیھ ، دون استثناء لھذه الأمم أو تلك ، فھو دین جمیع الأمم . ولذلك فحینما یذكر لفظ الباطن أو علم الباطن ھنا ، فإن ذلك لا یمكن أن یعنى سوى ما أجازه الله تعالى معرفتھ انطلاقا من قرآنھ الكریم ، وعلى بد عباده الموكلین بھذه المھمة من العلماء، مما لا یمكن رؤیتھ بالعین المجرة ولمسھ بالحواس الخمس . ولا علاقة لھذا العلم بما سنراه فیما بعد من طرائق ومذاھب ومجموعات تسمى باطنیة وما تفعلھ سوى أن تحرف وتبدل في الأصول سعیا وراء الكرامات ووراء الجاه والأتباع والسلطة ، فلینتبھ المسلم إلى ھذا اللبس . إن الباطن لغة یعني الجوھر ، كما یعني الكوامن من دوافع وحوافز وعواطف وغیرھا مم ا یمكن تسجیلھ في العقل وإضماره أو الإفصاح عنھ ، ومما لا یقدر المرء على قیاسھ بإحدى حواسھ الخمس ، وھذا الباطن یشترك فیھ الإنسان والحیوان ، وكل شيء حي . ویقال لغویا باطن الشيء مدلولھ ، ومنفعتھ أو ضرره ، كأن یقال باطن النار خاصیة الإحراق فیھا ، وباطن الذھب قیمتھ المؤثرة والمتأثرة ، والقائمة طویلة في ھذا السیاق ، وقیل أیضا إن الباطن عكس الظاھر إطلاقا ، فكل ما لا یمكن وصفھ بالظاھر فھو باطن . غیر أن التعریف یطعن فیھ من وجھة نظر العلم الدیني وسیأتي ذكر ذلك فیما بعد . ولغویا أیضا ، قیل للبطن بطن لاحتوائھ على أعضاء لا ترى أخفیت في تجویفھ ، ویقال للشيء مبطن(الثوب مثلا) بمعنى حملھ وراء ظاھره لكساء لا یرى ، ویكون إم ا حشوا أو غلافا داخلیا . فالباطن إذن یأخذ معنى السر ، والخفاء والدخیلة ، واللب ، والجوھر . وكل ھذه مفاھیم ومعاني تخرج عن نطاق إدراك الحواس الخمس من بصر ، وسمع ، وشم ، ولمس ، وذوق ، غیر أنھا تكون مدركة السمة والطبیعة ولكنھا في معظمھا ، متى وقع الإفصاح عنھا وظھرت للوجود الظاھري . أما الباطن علمیا ، فیمكن القول إن لھ تعریفات كثیرة بعضھا متشابھ ومتطابق ، وبعضھ ا متقارب ، وبعضھا الثالث متباین مختلف . ولأن الباطن عرف منذ بدء الوجود البشري فسیكون من الصعب أن یدعي المرء إلمامھ بجمیع ما صدر وقیل عنھ من تعاریف . غیر أنھ في الإمكان تحدید أنماط أربعة رئیسیة تشمل باقي التعریفات وتنسحب إلیھا وھي : التعریف العلمي أو العقلاني ، والتعریف الغربي ، والتعریف الأسیوي ( الشرقي)، ثم التعریف الدیني وھو ما یطلق علیھ بالباطن الدیني . المصدر / قراءات في كتب دار الأعماق للاستاذ عبد الحميد اليوسفي آخر تعديل شيخ الأسرار الباطنية يوم 28-01-2012 في 14:52.
|
|
|
|
08-01-2013, 10:25 | رقم المشاركة : 2 | |
|
رد: مدخل الى كتب دار الأعماق
شكرا مولاي شيخ الاسرار |
|
|
|
10-02-2018, 11:27 | رقم المشاركة : 4 | |
|
رد: مدخل الى كتب دار الأعماق
الباطن عكس الظاھر إطلاقا ، فكل ما لا یمكن وصفه بالظاھر فھو باطن هدا هو اسهل تعريف |
|
|
مواقع النشر |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر) | |
|
|