(القرآن الكريم) :
القرآن كلام الله ، وكلام الله صفة من صفاته ، وصفاته جل جلاله متعلقة بذاته ، وذاته لا أول لها يعرف ، ولا آخر لها يوصف ، فكذلك صفاته تعالى لا تحد ولا تعد ، ولا تدرك ولا توصف ، والقرآن أزلى المعاني ، أبدي الأسرار ، ظاهر الأنوار ، قائم بجميع الآثار ، يدور به الليل والنهار ، وليس القرآن كما يفهم الجاهلون ، أو كما يراه المحجوبون حروفا ترسم على الأوراق ، أو هواء يتخلل في الأفواه ، فيحدث حروفا ذات أصوات فقط ، لا .. ولكنه قرآن مجيد ، وكلام العلي الحميد ، ظاهر في جميع العوالم بحسب مراتبها ، فهو بحسب أهل عالين أنوار ، وبحسب الروحانيين أسماء وأسرار ، وبحسب الملكوت وحي وأوامر ، وبحسب النفوس إلهام في الضمائر ، وبحسب دائرة العقول معاني وأصول ، وبحسب الأفكار والأوهام إشارات وآيات ، وبحسب العلم والحكمة مظاهر وتجليات ، وبحسب الأجسام والحواس حروف وأصوات ، وهذا القرآن يكلم كل ما في الأرض والسماوات ، من جمادات ونباتات وحيوانات ، وانس وجن وملائكة ، وشمس وقمر ، وكواكب وأفلاك وذرات ، فسبحان المتكلم بجميع اللغات .
والقرآن ظاهره دليل ، وباطنه تأويل وتنزيل ، ومطلعه عرفان وإحسان ، كما أن حده جمال وأنس وإيقان ، وهو بحر بلا ساحل ، وهوية بلا آخر ، من غرق في بحر هويته ، وفنا في أسرار قدسيته ، صار قدوساً ربانيا ، وفردا صمدانيا ، يسمع بالله ، ويبصر بالله ، ويترجم عن الله ، ويصير خليفة عن الله ، وعند ذلك لا تعلم نفس ما أخفي له من قرة أعين .