سلام الله عليكم
محمد صلى الله عليه و سلم .. حينما نتكلم على هذه الشخصية النورانية فنحن في الحقيقة حديث عن الإنسان الكامل .. مظهر الحقيقة الإلهية في العالم.
النبي عليه السلام هوو المرآة التي تجلى فيها النور الإلهي بأتم صورة.
يقول العارفون .. اهل الله و المحبة و النور القرآن هو الكتاب المسطور.. ومحمد هو الكتاب المنظور.
فالقرآن كلام الله المتجلي في الحروف .. والنبي عليه السلام هو تجلي كلامه تعالى في الإنسان.
ولهذا قال الإمام علي كرم الله وجهه .. كان خلقه القرآن ..
أي أن النبي لم يكن يقرأ الآيات فحسب.. بل كان هو الآية الكبرى.
في هذا الفهم .. النبوة ليست فقط تبليغا .. بل تجليا للحقيقة في صورة بشرية حتى يرى الناس النور رأي العين... و هذا لن يفمه الا من استفاق من الموت ..
عند الطوائف الصوفية مقولة معروفة الحب هو مفتاح المعرفة .. ومحبة محمد صلى الله عليه و سلم ليست انفعالا عاطفيا للمريد و السالك .. بل اتصال روحي بالنور الأول.
العارفون لا يحبون .. الشخص فقط .. بل الحقيقة التي تجلت فيه.
فالحب المحمدي عندهم هو السير في طريقه .. حتى تتخلق أنت بشيء من نوره.
في الوعي الباطني ينظر إلى محمد عليه الصلاة و السلام على أنه الكائن الذي يقوم عند نقطة التماس بين عالم الروح وعالم المادة.
هو في الأرض بشر يأكل ويمشي في الأسواق .. لكنه في حقيقته باطن من نور أفيض عليه العلم الإلهي.
الظاهر منه يتلقى الوحي بلسان عربي مبين .. والباطن منه يتلقى العلم اللدني الذي هو كشف مباشر للحقيقة.
لذلك قال ساداتنا إن النبوة هي البرزخ الذي يربط السماء بالأرض ..لا تنفصل عن أحدهما ولا تذوب في الآخر.
النبي صلى الله عليه و سلم هو الحامل للعلم الظاهري أي علم الشريعة الذي يضبط السلوك و العلم الباطني الذى هو علم الحقيقة الذي يضبط الوعي.
ولهذا كان يقول عليه السلام .. أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له ..
فالعلم الباطني عنده ليس معلومات خفية .. بل نور يقود القلب إلى الله ..
سيدنا عليه السلام .. ليس مبلغ رسالة فقط لرسالة .. بل هو تجلٍ للحقيقة الإلهية في صورة بشرية.
كل نبي عند العرفانيين و اهل العلوم الالهية هو مظهر لاسم إلهي واحد .. أما محمد فهو مظهر لكل الأسماء أي الجامع بينها.
بهذا المعنى صار .. الرحمة للعالمين.. لأنه المرآة التي انكسرت فيها أنوار الأسماء كلها: الجمال.. والجلال .. والعلم.. والقدرة.
فهو من جهة الشريعة رسول الله .. ومن جهة الباطن مظهر للحق في الخلق.
سيدنا صلى الله عليه و سلم في الظاهر حمل الكتاب والسنة لتقويم المجتمع الإنساني.
وفي الباطن حمل سر الكلمة الإلهية التي هي النور المحمدي أي الوعي الأول الذي به يتعرف الإنسان على ربه.
المعراج في هذا الفهم ليس انتقالا مكانيا بل رمز لفتح أبواب المعرفة الباطنية .. فيه اجتمعت النبوة بالعقل الكلي .. ورأى سيدنا صورة الوجود من أعلى مراتبه إلى أدناها .. ثم عاد ليعلم الناس طريق الصعود.