سلام الله عليكم
كان مولاي عبد الله رحمة الله تعالى - الناطق الاعظم - رجلا من أولئك الذين إذا نظرت إليهم ذكرت الله .. وإذا سمعت كلامهم شعرت أن الكلمات تغسل بالنور قبل أن تقال.
عاش حياته بين الناس جسدا .. لكنه كان في باطنه يعيش في عالم من الصفاء والسر.. لا يسمع فيه إلا نداء الحق. كان رحمه الله من اطيب خلق الله و اصدق الاشخاص و اروع الشيوخ ..
في تلك الليلة الهادئة .. من ليلة الجمعة جلس الشيخ بين مريديه وقد لف المكان سكون مهيب .. كان يحس بالتعب و الألم منذ أربعة ايام و لكن رغم المه كان لا يترك مجلس المريدين .. و لكن في ذلك اليوم كانت الزاوية فيها حزن عميق تسمع فيها فقط قراءات لا اله الا الله و كان الجميع حزين على مرض شيخه .. سبحان الله كأن الوقت نفسه يتهيأ لوداعه. نظر إليهم بعينين تلمعان ببريق من عالم آخر ... وقال بصوت يقطر طمأنينةً .. يا أبنائي.. اقترب اللقاء .. وسأرحل عما قريب إلى من لا يغيب... ثم نظر الى ساعة كانت في يده و قال الساعة الان الرابعة بعد العصر .. ما ابعده منتصف الليل ..
فانقبضت القلوب .. وغشاها حزن لم يفهموه بعد لكنه استقر في أعماقهم كإشارة غيبية... بدأ الشيخ الشاوي رحمه الله في الذكر باسم هو ... و كان هو اكبر المريدين للشيخ عاشره اربعين سنة .. و اشتعلت الانوار بالزاوية باسم الهو ..
قبل هذا اليوم باربعة ايام .. كان الشيخ قد قال للمريدين انه يريد أن يزور البادية سافر معه ثمانية من المريدين كان من بين المرافقين سيدنا ابو شاهين حفظه الله طريق يمر بين التلال التي كانت تشهد تأملاته الأولى.. وارض خصبة تربى فيها شيخنا اول ايامه .. و وحين وصل إلى حيث يرقد أبوه وأمه جلس عند القبرين كطفل يعود إلى حضن والدته بعد غياب طويل.
مدّ يده ولمس التراب بحنان عجيب ثم قرأ ما تيسر من القرآن ودموعه تنحدر على خديه كقطرات ضوء.
قال وهو ينظر إلى السماء .. اللهم اجعل لقائي بهما لقاء رحمة .. كما جعلت فراقنا امتحان صبر.
ثم نهض وهو مطمئن .. كأن صدره امتلأ نسيما مكت في البادية يومين وفي طريق عودته.. جالس فلاحا لديه الكثير من الغنم من ابناء البادية فاقترب منه واختار خروفا حسنا وقال له برفق مليء بالمعنى .. هذا الخروف .. و اشار الى اجودهم احضره لي يا بني يوم الجمعة بعد صلاة الفجر الى زاويتي ..
لم يعلم الرجل أن الشيخ كان يكتب بيد القدر صفحة عزائه.
مساء الخميس .. طلب الشيخ من ابنه محمد ان يساعده في الوضوء فتوضا وضوء العارفين و صىل جالسا في زاويته .. تعشى المريديون في الزاوية و بعد صلاة العشاء و الشيخ ممدد في مجلسه و المريدون محيطون به بدا في قراءة سورة يس همسا وكلما نطق بآية .. ازداد المكان طهرا ونورا.
كررها عدد كبير من المرات و في المرة اخيرة و هو يقرا السورة المباركة وعند قوله تعالى: «سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ»، أغمض عينيه.. وابتسم ابتسامة الرضا .. ثم أسند رأسه إلى الجدار وسكنت أنفاسه كأنما رحل في سلام حقيقي من رب رحيم.
وفي فجر الجمعة .. حين جاء الرجل بالخروف كما وعده الشيخ .. وجد الزاوية تغص بالبكاء. علم أن مولاي عبد الله قد ارتحل تلك الليلة فبكى وقال .. سبحان الله، كأنه اشترى عزاءه بيده!
أصبح الخروف عشاء العزاء كما شاء الله .. وازدادت هيبة الشيخ في القلوب حتى إن المريدين بكوا عليه كما يبكي الأطفال فقد الأم .. لا لهيبته فقط بل لحب غمرهم جميعا.
وبعد دفنه .. الذى حضره ازيد من ألف شخص .. اجتمع المريدون .. ولم يدروا من يخلفه .. فليس فيهم من يجرؤ على الجلوس في مقام كان يجلس فيه النور. منهم من اقترح اكبر ابناءه .. لكن شيخا من شيوخهم الكبار كان ناطقا مليء بالحكمة و كلمته مسموعة قال لهم .. إن سر الشيخ لا يورث بالعمر و لا بالذرية بل بالنور.
فأشار إلى أحد المريدين الخالصين وقد بدا عليه أثر الحال وقال .. ها هنا انتقل السر.
فاطمأنوا .. وأدركوا أن الطريق لا ينقطع .. وأن نور مولاي عبد الله لا يطفأ بل ينتقل كما ينتقل ضوء الشمعة من قلب إلى قلب.
من هنا بدات رحلة المهدي و منها الى من ينتقل له النور من بعده الى ان يشاء الله ...
..