سلام الله عليكم
في أحد الأيام كان سفيان الثوري ..
و هو أحد أئمة الزهد والتقوى.. يسير في مدينة الكوفة ..
مستغرقا في تفكير عميق .. يراقب الناس حوله في سعيهم الدائم وراء الدنيا ..
وهو الذي كان قد ترك الدنيا بأسرها وراءه ..
فلا يهمه إلا أن يصل إلى ربه.
وفي تلك الساحة الواسعة التي كانت تعج بالبشر ..
شاهد سفيان رجلا فقيرا يجلس على أحد الأطراف ..
و الناس تمر عليه و لا تعيره اهتمام ..
لكن هذا الرجل لم يلتفت إليهم ايضا ..
ولم يكن مشغولا بهم بل كان يرفع يديه في خشوع ويقول بصوت عميق .. يا الله .. يا الله.. يا الله…
توقف سفيان الثوري عنده وتساءل في نفسه ..
من هو هذا الرجل؟ وما الذي يفعله هنا وسط هذا الزحام ..
وقد ترك الناس في لهث وراء الدنيا؟ و لا يقوم بما يقومون ...
اقترب سفيان منه وقال له .. أيها الرجل ماذا تفعل هنا في هذه الساحة؟
أنت لا تملك شيئا ولا تأبه بما يفعله الناس ..
فماذا ترى؟
رفع الرجل عينيه إلى سفيان وقال .. أنا لا أرى إلا الله ..
لا أرى غيره في كل شيء.
لو أنني كنت أرى الناس ..
لما كانت نفسي تشغل إلا بهم ..
لكنني رأيت الله فصار كل شيء في عيني مجردا ..
حتى الحياة والموت صاروا مجردين في سبيله..
قال سفيان مذهولا .. وهل تستطيع أن ترى الله حقا في كل شيء؟
قال الرجل في هدوء عميق .. رؤية الله لا تتعلق بالأبصار ..
بل بالقلب الذي لا يرتبط بأي شيء سوى بالله.
إن كان القلب مشغولا به فإنه لا يرى إلا الله.. حتى وإن كان في مكان مليء بالناس.
قال سفيان وقد أثار فضوله.. كيف ترى الله في هذا الزحام؟
ابتسم الرجل وقال إنك ترى الله حين ترى أن كل شيء في هذا العالم هو خدمته.
الله في الوجود كله.. في الهواء.. في النور.. في الظلام.. في الشجرة.. في الماء،
حتى في الألم والفرح.....
ولكن متى ما توقفت عن رؤية ذلك.. بدأ قلبك يظن أن الوجود هو سواه.
ثم أضاف الرجل قائلا لو أنك أدركت هذا.. لما كنت أبدا بعيدا عن الله ..ولا كنت ترى فواصل بينك وبين الحياة...
ولا بينك وبين الناس. كل واحد منا هو مرآة تعكسه حقيقة نفسه.
عندها .. سفيان فهم ما لم يكن يفهمه من قبل.
ثم سأل الرجل بتواضع هل يمكنني أن أكون مثلك؟
قال الرجل وهو ينظر إلى سفيان نظرة عميقة كما لو كان يراه في باطنه ..
كل واحد منا هو مرآة الله لكننا لا نرى فيه إلا ما وضعناه بأنفسنا من ستائر.
إذا رفعت ستارتك .. فلن تجد إلا الله في قلبك.
وفي سعيك هذا.. لا تعتقد أنك ستصل إليه بقدميك..
بل سترتفع إليه بروحك وعقلك.
ثم سكت الرجل قليلا وأضاف أنت لا تحتاج إلى سعي ..
بل إلى سكون.
لا تسعى وراء شيء في هذا العالم بل دعك منه وستجد أن الله هو الذي يسعى إليك.
قال سفيان وقد اختلطت في نفسه أفكار عميقة هل تعني أنني ينبغي أن أترك الدنيا كلها؟
قال الرجل في هدوء لا.. ليس المطلوب أن تترك الدنيا
المطلوب أن تترك قلبك عنها
فإن كنت لا تحمل في قلبك إلا الله
فكل شيء آخر سيكون في خدمته.
ستفهم أن الدنيا ليست إلا وسيلة لرفع روحك إلى الله.
ثم ابتسم الرجل ابتسامة عميقة وقال الحقيقة أن الله لا يرى بالعيون ..
لكن إذا كنت لا ترى الله في قلبك
فلن تستطيع أن ترى أي شيء في هذا العالم بوضوح.
بعد تلك الكلمات.. اختفى الرجل بين الناس كما لو أنه كان مجرد خيال..
وسفيان الثوري بقي واقفا في مكانه ..
قلبه غارق في تلك الكلمات العميقة..
كما لو أنه قد اكتشف شيئا عميقا في نفسه.