في زمن بعيد كان هناك شاب اسمه مسافر خرج يبحث عن الحقيقة التي تتجاوز ظلال الدنيا وعاداته واصول عبادة الاصنام الخمسة ود وسواع ويعوق ويغوث ونسرا التي كانت رمز شهوات جمدها الانسان بيده وعبدها اوهاما صنعت من داخل النفس بوحي من الشيطان
كان مسافر يشعر بثقل الغفلة داخل قلبه وكان يعرف ان القلب مرآة الروح التي تخفي بحر الامواج المتموجة بين حب لا يزول وخوف لا ينتهي انه يدرك ان كل انسان يحمل في داخله كنوزا من نور لكن الغشاوة تغطيها فلا تبصرها العين
كان يسمع في صمته صوت الوجود العميق يتحدث بلغة لا يفهمها العقل لكنه يشعر بنبضها في اعماقه صوت الالهية يهمس له ان ينهض من رقدته وان يقتلع جذور الخوف من فؤاده
كان يعلم ان الانس والجن والملاك والشيطان ما هم الا مظاهر في ذاته يتصارعون كليل ونهار في سماء قلبه بين فجر يشرق وشمس تغرب بين جمر ولهيب وبين نسيم وبرد
غرق الكثيرون في مستنقع الخوف والشك والوهم والمرض الروحي والنفسي والعقلي الذين يجتاحون من ابتعد عن الحقيقة والوعي وابتعد عن نور الالهية التي في النفس والروح
صعد مسافر جبل الحقيقة فكان الصعود شاقا هو نهر الجهد الذي يعبره كل من يريد ان يحرر نفسه من قيود الغفلة وحواجز النفس والهوى كان يعلم ان النزول سهل لكنه موت جديد يبتلع من لا يثبت
ورأى في طريقه ظلالا اخرى هم تجار الدين الذين يلبسون الكلمات حلة نور زائفة ويبيعون الايمان كسلعة بائسة لتحقيق مكاسب شخصية قلوبهم سوداء كليل بلا نجوم يزرعون الخوف ويبيعون الوهم ويربطون الناس بقيود اسمنتية لا يراها الا من انكشف بصره
هؤلاء هم رسل ابليس وجند من جنوده الذين يلونون الليل ظلاما ليخفي نور القمر هم ذئاب تلبس ثوب الغنم لكنهم لا يروون عطش النفوس بل يغذون ظمأها
لكن مسافر كان يسمع في داخله صوت الملاك الذي يناديه كأنفاس الصباح الاولى صراط الذين انعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين كان ذلك الصوت نورا يتلألأ في اعماقه يشق ظلمات الشك والاضطراب ويهدي قلبه المنكسر الى امان اليقين
عرف ان الاصنام ليست حجارة بل اوهام وشهوات سجنت الروح وانه الالهية الحقيقية تكمن في عمق النفس وانه ان لم يتحرر من قيود الغفلة فان روحه ستظل تهيم في صحراء الوهم بلا مئوى
فصار مسافر نورا في الظلمات يحفر بيده قلبه ليزرع زهرة نور تثمر صبرا وحبا وهدى يدعو كل من غرق في وهم الاصنام والشك والخوف الى ان يبحث في ذاته عن نبع النور الذي لا يجف ويتحرر من قيود العبودية ويشق طريقه الى الحرية
جلس مسافر في سكون الليل يسمع همسات شيطان داخله يقول له يا مسافر لماذا تتعب نفسك في البحث عن نور لا تراه خذ من الدنيا ملذاتها واسترخي في ظلال الاغراءات اعبد هذه الاصنام فهي ملاذك وسلامك ظنك فيها خلاصك انت لا تحتاج لغيرها
رد مسافر بنبرة هادئة وقلب صلب لا انخدع يا صوت الوسوسة انا اعلم انك ما انت الا ظلي والخوف الذي يسكن نفسي انت تسكنني لتبعدني عن حضن الاله الذي في داخلي هو اقرب مني لا ابعد عنه اراه في نجوم السماء وفي نبض قلبي وفي صمت روحي العميق
فدخل الملاك بصوت هادئ كنسيم الصباح يقول يا مسافر لا تسمع لصوت الظلام ولا تتركه يسرق نورك انت على صراط الذين انعم عليهم انت تسير في طريق الحق الصعب لكن ثمرته هي الحرية والصفاء من اوهام الخوف والشك والانكسار
قال مسافر لهم كلا منكم يسكن داخلي والاختيار لي اما ان اغرق في ظلام الغفلة واتبع وساوسك يا شيطان او ان انطلق مع نورك يا ملاك وارى الحقيقة في قلبي وروحي
فابتسم الملاك وقال انك قد اخترت الطريق وان الله القريب سيرشدك ويقويك لتصل الى نور لا يخبو
فتراجع صوت الشيطان بصمت واعترف بان نورك اقوى مما كنت اظن
فتنهد مسافر وقال ها انا ذا ابدا رحلتي بكل يقين واعية اتحدى كل اصنام النفس وارى الالهية في نفسي وروحي دون واسطة او قيد
وصل مسافر الى السر الاعظم الحقيقة الباطنية النورانية التي بها الوعي واليقظة فصار حي بن يقضان فحيت روحه بعد ان كانت ميتة واستفاق من التنويم الذي ادخله فيه تجار الدين واستعاد اليقظة وارتفع فوق الوهم والخوف والشك وبات يرى النور في نفسه وروحه بصفاء لا يزول
عرف ان الحل ليس في اتباع اصنام الشهوات او الظواهر البراقة وانما في العلم الباطني ذلك العلم الذي يوقظ الروح ويكشف غشاوة العقل ويفتح ابواب القلب على مصاريعها
العلم الباطني هو نور لا ينطفئ ينبع من داخل الانسان من اعماق وعيه الروحي حيث ينكشف السر العظيم وينهار الوهم ويبزغ نور الالهية الحقيقية في النفس والروح
وهكذا صار مسافر قدوة لكل من غرق في ظلام الغفلة يدعوهم الى ان ينهضوا من نومهم وان يسيروا في درب الوعي الباطني ليفتحوا اعينهم على نور الحق الذي لا يغيب