سلام الله عليكم
قصة مسافر الباحث عن الحقيقة ..
كان هناك شاب يُدعى مسافر عاش في قرية نائية حيث كان كل شيء ظاهرًا للعيان الأرض السماء البحر والشمس ولكن قلبه كان يلمح في الظلال شيئًا آخر كان يرى في عيون الناس سرًا مخفيًا وفي ألوان الزهور شوقًا غير مُعلن وفي همسات الرياح دعوةً لا يفهمها وكان يشعر أن وراء هذا العالم المادي هناك عالم آخر عالمٍ لا تراه العين ولا يسمعه الأذن ....
وفي إحدى الليالي الحالكة بينما كان يتأمل النجوم شعر بشيء يشده إلى مكان بعيد حيث تقبع الحقيقة الكبرى الحقيقة التي طالما بحث عنها لم يكن يعلم أين يذهب ولا كيف يصل ولكنه كان يعرف في قلبه أن الرحلة قد بدأت..
تسلل مسافر في الظلام متجاوزًا حدود الزمان والمكان كانت الأرض تحت قدميه تتنفس كأنها جزء منه والسماء كانت تبدو أكثر قربًا كأنها تهمس له بأسرارها استمر في السير حتى وصل إلى غابة مظلمة مليئة بالأشجار العتيقة التي لم يسمع عنها أحد من قبل كانت الأشجار تتناغم مع الرياح وتدندن أنغامًا قديمة وفي وسط الغابة وجد كوخًا قديمًا تنبعث منه رائحة العود والمسك.
دخل مسافر ووجد شيخًا مسنًا يجلس في سكون عميق وجهه ينير بنور باطني لا يُرى إلا من القلب قال له الشيخ بصوت هادئ كهمسات الرياح لقد كنت تنتظر هذه اللحظة طوال حياتك أليس كذلك..
أجاب مسافر بدهشة كيف علمت..
قال الشيخ مبتسمًا الذين يبحثون عن الحقيقة لا يحتاجون إلى الكلام أرواحهم تتنقل بين العوالم وتعرف أين تبدأ الرحلة..
جلس مسافر أمام الشيخ وقال أنا في بحثٍ لا ينتهي أريد أن أعرف الحقيقة أن أرى ما وراء هذا العالم المادي قل لي كيف أبدأ
ابتسم الشيخ وقال أنت تبحث في مكانٍ بعيد جدًا لكن الحقيقة أقرب إليك مما تتخيل الحقيقة ليست في الأفق بل هي في قلبك في لحظات صمتك في تأملاتك
قال مسافر بصوتٍ شغوف لكن كيف أرى ما لا أستطيع لمسه كيف أسمع ما لا أستطيع سماعه
أجاب الشيخ لذلك جئت إلى هنا لكل من يبحث عن الحقيقة هناك بوابة داخلية يجب أن يمر بها كل ما تراه هو ظل لما لا تراه كل ما تسمعه هو صوت لما لا يمكن أن يُسمع يجب أن تغرق في صمتك الداخلي لتكتشف أن الصوت هو أنت وأن الضوء هو روحك ..
صمت مسافر للحظة وكان يتأمل في كلام الشيخ ثم قال ولكن كيف أعيش في هذا الصمت كيف لي أن أترك الدنيا وراء ظهري
أجاب الشيخ بصوت هادئ لا حاجة لك لترك شيء لأنك لم تترك شيئًا من قبل كل شيء في هذا الكون هو جزء منك وكل ما عليك فعله هو أن تفتح قلبك أن تسكت عقلك وأن تترك لنفسك المجال لتشعر بما هو أكبر منك
ثم أغمض الشيخ عينيه وقال إذا أردت أن تعرف الحقيقة عليك أن تكون مستعدًا أن تفقد نفسك لأن الذي يبحث عن الحقيقة يجب أن يضحي بكل شيء كان يعتقده عن نفسه فإذا كنت ترغب في الوصول عليك أن تموت قبل أن تموت ..
في تلك اللحظة شعر مسافر بشيء غريب يسري في جسده كان يشعر كأن كل شيء من حوله يذوب ويتلاشى وكأن الكون ينسحب إلى داخله فجأة وجد نفسه في مكانٍ آخر مكان لا حدود له ولا زمان كانت الروح ترفرف في كل مكان وكان الضوء ينفذ من كل شيء كأن كل شيء في الكون يتنفس معه
كان مسافر قد تجاوز حدود نفسه وجد نفسه في الحقيقة التي كان يبحث عنها طوال حياته ولكن الحقيقة لم تكن فكرة أو معرفة كانت إحساسًا عميقًا حالة من الوجود الكامل حيث لم يعد هناك سؤال أو جواب كان هو الحقيقة وكل شيء حوله كان يعكس نفسه فيه
عندما عاد مسافر إلى العالم المادي لم يكن كما كان من قبل كان وجهه أكثر هدوءًا وعينيه أكثر اتساعًا لم يكن بحاجة للكلام بعد الآن كان يعيش في لحظة واحدة في حضرة الحقيقة التي لا تحتاج إلى تفسير
الحقيقة لا تُبحث عنها في الكتب أو الأماكن البعيدة بل هي هنا في هذا اللحظة في هذا التنفس في هذا الصمت العميق الذي يسكن في داخل كل إنسان وقد أدرك أن رحلة البحث عن الحقيقة كانت رحلة داخلية وأنه ما كان يبحث عنه كان دائمًا جزءًا منه ..