معرفة الذات
داخل كل كائن حي يوجد عطش للمطلق.هذا العطش يدفع الكائنات الحية للبحث في كل زاوية من بيئتهم عن شيء ما ,عن شخص ما لإرواء هذا العطش.بعد أن تكتشف كل الإمكانيات حقاً بدون أن ترضي الإنسان,يصبح الفرد جاهز لتعلّم العملية الصحيحة,و الطريقة المضبوطة من معلم مؤهّل.بعد أن يكون الفرد قدتحطم عنفوانه نتيجة البحث المضني,فإنه يسلّم إلى سلطة المعلم.يقول اليوغيون :عندما يجهزالتلميذ يحضر المعلم
عند تعليم التأمل للمريد ,هناك أربعة عوامل تجعل عملية التعليم كاملة.أولاً,يقطع المريد عهداًعلى نفسه بإلتزام الأخلاق.ثانياً, فهم النظام الدقيق لعملية التركيز على الهدف من الحياة.ثالثاً,أن يكون المعنى الوجداني للمقاطع الصوتية أو(المانترا)التي تستمد قوتها من سلطة السيد الروحي(غورو)واضحاً.رابعاً,أ ن يسلّم إلى سلطة السيد الروحي مثل المولود الجديد بين ذراعي والده الذي يرعاه
في الأزمنة القديمة,أراد معلمو الممارسة اليوغية أن ينقلوا فكرة تعلّم التأمل إلى عامة الناس بلغة مفهومة من قبل الجميع.ولذلك أخذوا أمثلة من الحياة اليومية.في الهند هناك أناس مختصون بسحر الأفاعي.يسافرون من قرية إلى قرية حاملين سلّتهم المليئة بالأفاعي الحية بغية كسب النقود لقاء تسلية الناس.إنهم يعدّون قرعة و يجففوها وينظفونها و يصنعون ثقوباً في جوانبهاكي يخلقوا علامات موسقية يعزفونها على القرعة مثل الناي.و في طرف الناي يربطون عصىً.و عندما يعزفون على الناي لحناً خاصاً,يتحرك ساحر الأفاعى في قُرى الهند جاذباً الناس الفضولييين الذين يحبون أن يروا رقص الأفعى.و عندما يصل إلى وسط القرية ,يضع سلة الأفاعي المكشوفة على الأرض ,ثم ينشر قطعة قماش صغيرة و يضرب رأس الأفعى كي يوقضها
إن الأفعى النائمة,التي تعرف غريزياً أن أحدا ًما يهاجمها,ترفع رأسها و تهدد باللدغ.بينما تستعد الأفعى لتلقي ضربة أخرى,يلوّح الساحر بالعصى المربوطة بطرف الناي في وجه الأفعى.تراقب الأفعى طرف العصى متوقعة ضربة ثانية.و بينما تراقب الأفعى العصى ,يستمر ساحر الأفاعي بعزف لحنه البسيط بينما يُحرّك طرف الناي من جانب إلى آخر.و بما أنها ما تزال تتوقع هجوم آخر,تتابع الأفعى طرف الناي أيضاً متحركة من جانب إلى جانب.و على الرغم أن الأفعى صمّاء,فهي تبدو كأنها ترقص على أنغام الموسيقى.
يشرح المعلمون اليوغيون عملية البدء بالتأمل بإستخدام هذه الحالة.في قاعدة العمود الفقري ,تتوضع في سائل النخاع الشوكي القوة الروحية الكامنة.يقال أن هذه القوة ملتفة مثل الأفعى النائمة.و عند البدء بعملية التأمل و إعطاء الدرس الأول,فإن هذه القوة الكامنة النائمة تصحو كما إستيقظت الأفعى بواسطة ساحر الأفاعي .على أية حال ,فإن هذه القوة الروحية تستيقظ بطاقة صوت مُعدّ علمياً و بسلطان المعلم و ليس بواسطة قوة مادية
هذه الطاقة الصوتية التي يعطيها المعلم و يرددها التلميذ مع إيقاع النفس ,هي التي تسبب إيقاظ الطاقة الروحية داخل التلميذ و تحركها بإتجاه الأعلى عبر القناة المركزية للنخاع الشوكي .إنها قدرة المعلم التي تسبب هذه الحركة بإتجاه الأعلى إلى حين الوصول للتجربة النهائية,و هي إتحاد الروح بالوعي الأسمى .و لهذا ,من الضروري أن يكون لهذه الطاقة الصوتيةالتي يمتلكها المعلم هذه الإمكانية .يجب أن يكون واضحاً جداً منذ بدء عملية التأمل,أنه بسبب هذه القدرة التي يمتلكها المعلم(غورو) يحصل التطور الروحي عند التلميذ .من واجب التلميذ أن يتبع تعاليم المعلم بشكل صارم و دقيق من أجل الوصول إلى التطهير الجسدي و الفكري .بسبب إخلاص التلميذ و كفاءة المعلم ,يحصل التلميذ على إختبارات متنوعة .تُختبر هذه الحالات من المعرفة عندما تصعد القوة الروحية داخل التلميذ إلى الأعلى عبر النخاع الشوكي إلى قمة الرأس
هذه هي العملية التي تُعلّم للمريدمن قبل المعلم (غورو) بواسطة من ينوب عنه,ويسمى (أشاريا) عند البدء بالتأمل.بواسطة عملية دقيقة جداًمن التركيز,يتم جلب عقل المتأمل أو (الشعور بالأنا)بعناية شديدة و ببطيء من إرتباطاته بالعالم الخارجي عبر الجسد إلى نقطة معينة حيث تتوضع (الأنا).كل شخص له مركزه العقلي الشخصي الخاص من حيث تبدأ ذاته الصغيرة حركتها بإتجاه الذات الكونية. تماماً كما أن أجسامنا تحتل مكاناً مادياً,كذلك عقولنا لها موقعها و مركزها.نقطة توضع العقل هذه ,تختلف من شخص لآخرعلى حسب الزخم الروحي عند الإنسان.يتم تحديد موقع العقل و شرح كيفية الوصول إلى هناك من قبل المعلم
يجب أن يكون هدف التأمل واضحاً جداً في ذهن المتأمل.بعد أن يُحضر العقل إلى مركزه يجب أن يُوجه إلى الهدف.إن إختبار الحالات المفرحة أو المؤلمة داخل العقل ليس هو الهدف.لا يوجد أية تجربة محدودة للمتع المادية أو الفكرية ترضي تطلع الروح إلى السلام و الفرح.سوف يكون هناك دائماً رغبة بالمزيد إلى حين الوصول إلى السعادة المطلقة.لذلك أن يجب أن يكون واضحاً منذ البداية في ذهن المريد أن الروح تتوق إلى الحرية و يجب أن يكون العقل مُركّزاً على ذلك.عندها فقط يمكن للمانترا التي أعطاها المعلم أن تحمل العقل إلى مُستقره الأخير .
إن هذا الصوت المُعَدّ بشكل علمي و الذي يستمد قوته من قدرة المعلم ,يسمى في اليوغا (مانترا).يعتمد تأثير المانترا على ثلاثة شروط.أولاً,يجب أن يُردّد على إيقاع النفس .المانترا لها مقطعين ,يُردّد المقطع الأول مع الشهيق و يرتبط بالإحساس بالوجود الفردي,أما المقطع الثاني يُردّد مع الزفير وهو مرتبط بالوعي الأسمى.يجب أن يذوب إنفصالنا أو إحساسنا بكياننا الفردي بتلك الحالة السامية من الوجود بواسطة طاقة المانترا
لذلك يجب أن تُردّد المانترا مع كل نفس .أمّا ما هو مطلوب ثانياً فهو خلق زخم عقلي معين يُطوره التلميذ بحيث لا يكون هناك توقُّف أو إنقطاع في التركيز .كل الطاقة الجسدية و القوة الفكرية يجب أن توجّه و تصب أقنيتها في المانترا بحيث يتشكل تيار متواصل لا ينقطع من المانترا.ممارسة التأمل بالتدريج يطوّر هذه الإمكانية من خلال الممارسة اليومية المنتظمة
إن معنى المانترا بغاية الأهمية.يوجد معنيان للمانترا, أحدهما , المعنى الفكري الذي يمكن أن نبحث عنه في القاموس,و الآخر ,المعنى الوجداني الذي يُقتبس من ممارسة التأمل.يتوحّد هذان المعنيان نتيجة عملية التصوّر و هي الخاصية الثالثة المهمة.إن مجرد ترديد المانترا مع إيقاع النفس لا يحقق النتائج المرجوّة ,يجب أن هناك فهم صحيح للروح الأساسية الباطنية للمانترا,و يجب أن يستغرق العقل بتلك الروح
كنتيجة لهذا الجهاد الفكري من أجل التحرك بالإتجاه المناسب كي نجلب (الشعور بالأنا)إلى موقعه ,و من أجل تركيز زخم العقل على الهدف,و كذلك من أجل ترديد المانترا و معناها مع إيقاع النفس,كنتيجة لكل ذلك فإن العقل يتسع بثبات.هذا التوسع العقلي يسمح بتعبير أعظم للمحبة إتجاه الكائن الأسمى .إن عملية التأمل هي معرفة و إدراك الذات الحقيقية في الداخل.إن المعرفة تؤدي إلى المحبة ,و الحب يُلهم الإنسان بالتضحية من أجل محبوبه.تضحي الأم من أجل أبناءها و الزوجة من أجل زوجها و الزوج من أجل الزوجة و الأولاد من أجل الوالدين.هذه التضحية تقود إلى العطاء بدون توقع شيء بالمقابل.إن الطاقة الهائلة للحب الإلهي التي يختبرها التلميذ خلال التأمل ,تغمر كيانه و تلهمه بالتضحية من أجل الحبيب
من خلال الممارسة الروحية الحقيقية ,يتسع العقل و يخلق شعوراً بأن كل شخص و كل شيء في هذا العالم هو جزء من ذاتك ,تماماًكما يشعر الإنسان أن جسده البشري هو جزء من ذاته.إن طريقة التفكير التحليلية التقسيمية تبعد و تفصل و تضع الإختلافات و ترى كل شيء خارج عن الذات .بينما تؤدي الروحانية ,و بشكل عفوي , إلى ظهور العطف و المشاركة و الإهتمام و التضحية و الخدمة.على أية حال ,فإن التفكير المادي يثير الأنانية و الجشع و اللامبالاة و توقع المكافأة على ما يقدمه الإنسان
يوجد هناك ستة مراحل للمعرفة أو الإدراك ,وتدعى في اليوغا (سامادهي) كلمة سامادهي مكونة من قسمين ساما)+(آدهي) (ساما) تعني معاً أو الوحدة, أما كلمة (آدهي)تعني الهدف.و هكذا يكون المعنى الكلي : الوحدة مع الهدف .بينما تصعد القوة الروحية داخل التلميذ إلى الأعلى عبر النخاع الشوكي ,تمر عبر ستة مراكز تحكم أو (شاكرات
بينما تغادر القوة الروحية مركزها الأول,وهو مقرّها في قاعدة العمود الفقري .إلى مركز التحكم التالي,يتملك الإنسان شعور" بأن الله موجود معي بنفس هذا المكان".قبل ذلك ,ربما كان التلميذ يؤمن أو يشك بوجود الله,و لكنه الآن يعرف أنه موجود,و هذا يعطي نوعاً معيناً من الفرح ينعش العقل
بمزيد من الممارسة ,تعبر القوة الروحية مركز التحكم الثالث المتوضع عند السرة.و يكون الشعور عند هذه المرحلة"إن الله قريب مني"وهو قُرب عاطفي يسبب فرحاً أكبر من الأول.كلما إقتربنا من الشخص الذي نحبه ,تزداد الإلفة.ليس فقط إن الله موجود ,و لكن تردّدي قد ذهب أيضاً.أشعر أنني أستطيع الإقتراب منه و أن أجد الراحة و السلام
عندما تعبر القوة الروحية خلال مركز القلب,تصبح العلاقة مع الله حميميّة"فلا توجد بيننا شكليات و لا حواجز,أنا معه دائماً,وهو يعرف كل أفكاري و مشاعري,فلا يوجد بيننا أسرار ,و كل شيء مشترك ,و كل منا يهتم بالآخر
بينما يحاول المتأمل العاشق أن يستغرق بشكل أعمق بمعنى المانترا,تعبر القوة الروحية مركز الحنجرة.هنا ,يبدو الشعور بالأنا الخاصة بالمريد و الأنا الإلهية نفس الشيء.على الرغم أنهما منفصلتان ,و لكنهما تبدوان متطابقتين.هنا يفقد العاشق ذاته فداءًلرغبات المحبوب,و يجتاحه فرح شديد.و الآن تصل القوة الروحية إلى الغدة النخامية.عندها كأن العقل يتفجر,و تذوب الأنا الفردية بالوحدانية و تصبح الروح راضية و يحصل التوحّد " .أنا هو ذلك".لا يوجد غير الله و ذاته و ذاتي أصبحتا واحد .هذا الكون هو جسدي و أفكاري تتجسد فيه
أما الإدراك الأخير يحصل بواسطة الجذب القوي للمطلق عندما تتحد القوة الروحية بالمركز السابع.بهذه الحالة تكون (الأنا) قد إندمجت بالوحدانية المطلقة .و هي حالة تتعدى التعبير و الوصف
لا تكتمل عملية تلقين التأمل إلاّ إذا سلّم المريد إلى سلطة السيد الروحي (غورو)بدون وجود السيد الروحي في عملية التأمل ,منذ البدء و لغاية الإدراك الأخير ,فلا يمكن حتى أن نتصور مثل هذه التجارب الروحية.يصبح المريد مثل الطفل في حجر والده,و لذلك يدعى السيد الروحي "بابا"أو الأب.إنه تماماً مثل الوالد بينما نسير في طريقنا إلى السعادة المطلقة.عندما نطلب سيارة أجرة كي تأخذنا إلى مكان ما ,فنحن ببساطة نخبر السائق عن وجهتنا ثم ندخل السيارة و نترك السائق يهتم بالباقي.نحن لا نسأل السائق إذا كان يعرف القيادة أم لا,و إذا كان قد حصل معه حوادث أم لا,فيما إذا كان يعرف الطريق أم لا ,نحن ببساطة ندخل السيارة و نسترخي.و بشكل مشابه ,إن التسليم لسلطة السيد الروحي تماماً كما لو أننا ندعه يتولى القيادة.و بالطبع فهو يعرف وجهتنا أفضل مما نعرف نحن.إنه يعرف أين كنّا ,و ما نحن الآن ,و ما يجب القيام به كي نجعل رحلتنا ناجحة
على أية حال ,يوجد جانب آخر لتدخل السيد الروحي .لنأخذ مثالاً.عاش رجل عشرين عاماً.كل عام فيه 365 يوماً,و هكذا نضرب 20 بـ 365.و كل يوم فيه أربع و عشرين ساعة ,و هكذا نضرب المجموع بـ 24.أيضاًكل ساعة فيها 60 ثانية,فنضرب المجموع بـ60 ,فيكون الناتج 10,5 مليون.فإذا قام الإنسان بفعل واحد ,جيد أو سيء,في كل دقيقة من حياته ,فيكون قد راكم 10,5مليون من ردود الأفعال.و مع مرور الوقت ,فإن الفوائد تزداد أيضاً
و بينما يتابع هذا الرجل حياته ,فإن رقم ردود الأفعال يزداد.إفترض أننا وضعنا إشارة $بعد الرقم 10,5 مليون,و على إعتبار أنك ذلك الشخص و عليك أن تسدد هذا الدين للبنك من راتبك الحالي,فكم من الوقت يلزمك؟و إذا إستمر الدين بالإزدياد يومياً مع الفوائد,فسيصبح عبءً لا نهاية له.من سيساعدك؟السيد الروحي سيفعل ,و لكن فقط إذا سمحت له بذلك و سلمت له
إنه يساعدنا على دفع ديوننا التي تعيق حركتنا.إفترض أن والداً أعطى إبنه عصى الهوكي كهدية في عيد ميلاده.يركض الولد للخارج مبتهجاً كي يلعب بالهدية الجديدة.و في غمرة حماسه , يضرب الولد كرة الهوكي على نافذة الجيران.بشكل طبيعي ,سيخرج الجار كي يوبّخ الولد و يقول له :"من سيدفع ثمن نافذتي المكسورة؟"و سيقول الولد بكل براءة "والدي سيدفع".عندما يقبل الوالد الإبن فهو أيضاً يقبل مسؤولية تحمل حاجيات الطفل إلى أن ينضج كفايةً و يتحمل مسؤولية نفسه
إن العلاقة بين المريد و السيد الروحي علاقة مشتركة.أنت تقبله وهو يقبلك.عندما تدخل مأوى السيد الروحي ,عندها يترتب عليك إلتزامات معينة.يجب أن تتبع تعليماته بحذر شديد.كذلك عملية التأمل التي تلقيتها في البداية,يجب أن تقوم بها بإنتظام.مساعدته لك أكبر من المجهود الذي تبذله ,و لكن إخلاصك ضروري
بناءًعلى تعاليم التانترا يوغا,فإن المريد المستحق إذا تلقّى علم التأمل من معلم مؤهل,فإن التطور الروحي مؤكد.لذلك على التلميذ أن يتحمل عبء ممارسة هذا العلم بدقة.لا يكفي أن نقرأ كتاب الطبخ كي نرضي جوعنا,يجب أن نطهو الطعام حسب الوصفة و من ثم نذوق و نستمتع بالأكل.لن يكون كافياً أن نقرأ أونستمع إلى هذا الشرح,بل يجب أن نحصل على تعاليم التأمل و نتبع النظام بدقة ,كي
تصبح أرواحنا راضية عن حق و ذلك بمساعدة السيد الروحي