عندما تجد كنزاً مدفوناً في صحراء مجاورة ثم لا تلبث بعد لحظات أن تفقد أثره ومكانه المميز وتتلقفك المصائب والكوارث في تلك اللحظة, أو تعثر على بقايا أثرية قديمة فوق سطح الأرض ثم تكتشف حفرة عميقة تؤدي إلى سرداب مغلق عصي على الفتح والاختراق, أو تتعرض لهجوم غريب من كائنات نارية, أو نيران متكررة تطاردك أينما ذهبت تأكل الأخضر واليابس من مكونات عش الزوجية وتقلب عيشتك إلى سواد, وكذلك عندما يصاب أهل المنزل بنوبات صرع وهيستيريا جنونية لا تدري سببها ولا تعرف مصدرها, عندما يحدث هذا لابد أن تبحث عن السر الخفي وراء كل ذلك, ولن تصل في نهاية المطاف إلا إلى سر واحد, وأسطورة واحدة يطلقون عليه "الرصد" أو"الحارس" أو"الطلسم المجسد" أو "مارد الذهب والفضة"..
وهو حارس أو أكثر من الجن يقوم على حراسة كنز لإنسان قامبدفنه أو إخفائه في مكانٍ معين، فيأتي الرجل بماله فيدفنه ثم يأتي بطلاسم وتعاويذشركية يتوسل بها لملوك الشياطين والجن ثم يقول: ياملك هذا الوادي أودعتك مالي هذا فاحفظه لي وأحفظه لذريتي من بعدي!! فلا يقترب من هذا الموقع إنسان من غير ذريةالراصد إلا ويبدأ الرصد بمضايقته، فقد يرجم بالحجارة أو يشعر فجأة ومن غير سبب بأنالمكان موحش ولا يستطيع أن يمكث فيه أكثر من ذلك أو أن يجد فيه أفعى ثابتة فيمكانها لا تتزحزح عنه فإن حاول أن يضايقها تهاجمه ولو كان بعيداً جداً عنها ثم تعودلنفس المكان الذي كانت فيه وقد يسمع صوت إنسان يطلب منه الرحيل أويسمعه كأنه يهمسفي أذنه بما يخيفه ويرعبه..
فما قصة هذه المزاعم والاباطيل؟
وما أسباب شيوع أسطورته لدى أمم كثيرة؟
وماذا عن شهود العيان الذين يسجد لهم الرصد في صور مختلفة وأبعاد أخرى مثيرة ومرعبة؟
وهل هو حقيقة أم خيال؟
وكيف يمكن تجنبه أو ترويضه في أعراف السحرة والمتعاملين مع العوالم الأخرى الغامضة؟
اشير الى أن كلمة "رصد" ارتبطت ارتباطاً وثيقاًبعالم الجن وقد وردت هذه الكلمة ومشتقاتها أكثر من مرة في الكتب السماوية خاصةالقرآن الكريم ; ففي سورة الجن يقول تعالى "وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمنيستمع الآن يجد له شهابا رصدا" ويقول أيضاً "إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بينيديه ومن خلفه رصدا" والآية الأخيرة هذه فيها دلالة كبيرة لدى المفسرين على "الرصد" المسخر من قبل الله عز وجل الذي يحمي رسوله وآياته من عبث الشياطين وأخلاط السحرة المبدلين والمغيِّرين وهو ما يؤكد قيام غير البشر بمهمة الرصدوالحماية وبالبحث في المعجم وجدنا أن كلمة "رصد" تقال للراصد الواحد والجماعةالراصدين وللمرصود واحدا كان أو جمعا وهي تعني الاستعداد للترقب وكل هذا يدل على أن "الرصد" سواء من الجن أو من الملائكة هو بمثابة القائم بوظيفة "مراقب بالتخصص" وأن هذه المهمة مقترنة بالذود والتحكم والحماية.
الرصد نوعان
وبحسب ما يذكره احد الباحثين في علم الريافة والتنقيب فإن الرصد مانع من الوصول إلى الكنوز المدفونة وهو إما أن يكون رصداً روحانياً أي مجموعة من الطلاسم والتعاويذ والتراتيل الاحترازية التي توضع داخل وفوق أماكن الدفن وهذه يستخدم فيها الجن على نطاق واسع حتى أن عدد مستويات الأرصاد يفوق المئتي نوع وتختلف تبعاً لطريقة الراصدة من السحرة والجن في الحضارات المختلفة فكل حضارة سواءكانت فرعونية أو سومرية أو آشورية لها أرصادها الخاصة المجدولة, وإما أن يكون رصداًعلمياً تستخدم فيه معطيات الهندسة والكيمياء وهذا له مستويات وطرق تحضير تفوقالمئة, ويعتبر النوع الاول هو الاكثر شيوعا لأسباب عديدة منها العداوة الدائمة بين الجن والإنس ورغبة الجن في حرمان الإنس من التمتع بكنوز الأرض من المعادن الثمينةالتي يستخدمها الجن في التطبيب والاحتماء خاصة الفضة التي تكون كنوزها أكثر رصداًمن الذهب لتوالد الجن عليها ومن ثم فهم يدافعون عن هذه المعادن دفاع المستميت بل وينتقمون بشراسة من كل محاولي الحصول عليها واستخراجها
وهناك روايات كثيرة حول الرصد سواء كانت روايات رسمية أو شعبية حفلت بالكثير من صور الانتقام الرهيب للرصد من أولئك المعتدين على ملكيته الخاصة من الذهب والفضة والكنوزالمدفونة, وإلى ذلك يرجعون ما يعرف لدى الحضارات القديمة بـ "نصوص اللعنة" فالموتى يكتبون فوق أماكن كنوزهم عبارات تحذيرية تقول إحداها "كل من يقترب من مقبرتي بسوءفسوف تلدغه العقارب والثعابين وسيلتهمه أنصاري من الراصدة وسيكون كنزي دماراًووبالاً عليه" وتقول أخرى "سيذبح الموت بجناحيه كل من يحاول أن يبدد أمن وسلام مرقدي ويفتش في كنوزي وممتلكاتي الذهبية". ويؤكد أن أناسا كثيرين راحواضحية "الرصد" ومن شواهد انتقام الرصد ما حدث لاحد المهووسين بالآثار الفرعونية والذي حصل على تابوت فرعوني بداخله مومياء لملكة مصرية، فبعد أن نقل التابوت إلى منزله أصيب برصاصة من مسدسه وهو ينظفه فأردته قتيلاً وعندما أراد أحد المصورين التقاط صورة لنفس التابوت تعرض لحادث بترت بسببه أصابعه, وفي إحدى قرى صعيد مصر أكد البعض أنسرقة أحد الكنوز المدفونة كان سبباً في ظهور "طيور نارية راصدة" غير معهودة الشكل قامت بإحراق المنازل والبيوت ويروون أن شابا أخبر صديقه بوجود مقبرة قديمة تحتوي على آثار ذهبية وطلب منه أن يساعده في دخولها وعندما دخل أحدهما إلى المقبرة أغلق بابها فجأة فصرخ الشاب وعندما فتح باب المقبرة مرة ثانية وجدت جثة الشاب وقد تحولت لتمثال من الصلصال المتحجر فانتابت الشاب الحي حالة من الرعب فر على إثرها إلى بيته ليكتشف بعد ذلك أنه أصيب بحالة من المس الشيطاني والصرع الهستيري ثم كانت المفاجأةهي اشتعال النيران في منزله مرات متكررة وهو ما جعله يعاني كثيراً حتى لقي مصيره المحتوم بالموت أثر ذلك.
الكنز حلم:
ويقول باحث في علم الاجتماع أن مهنة البحث عن الكنوزالمدفونة لاقت رواجاً شعبياً أدى إلى إقبال الكثير من الناس على ممارسة المهنة بطريقتهم الخاصة التي يتدخل فيها الكثير من الأطراف من أمثال السحرة المغاربة والسودانيين وكذلك المشعوذين والدجالين كل ذلك بحثاً عن "أحلام الكنز" وهنا أخذت التفاصيل تميل إلى الجانب الأسطوري في تصوير الرصد وتختلط أبعادها, والأصل في هذاأن بعض الحضارات القديمة كالحضارة المصرية الفرعونية كان يمارس فيها السحر عند تحضير الموتى للدفن, وكان السحرة يقومون بتلاوة العزائم والرقي والعبارات السحرية بهدف رصد الكنوز المدفونة مع الجثة المحنطة وقد أكدت هذه التفاصيل رسوم فرعونية قديمة على جدران القبور والتوابيت حتى أن بعض حكام الفراعنة كان ضليعاً في سحرالرصد وحماية الكنوز المدفونة, هذا بالإضافة إلى شيوع ما يسمى بـ "أسطورةالرصد" والتي تحكي أن إحدى البحيرات المقدسة القديمة شوهد في وسطها آنية كبيرة من الذهب الخالص عليها راقصات بحريات تتوسطهم ملكة من ملكات الجن وأن هذه الملكة كانت تحمل آنية الذهب إلى أحد كهوف الجبال الشاهقة فرآها أحد ملوك الأرض فأراد الحصول على الذهب ولذلك كان يخرج مرة في الشهر ليلا ومعه خادمه الصغير وكمية من بخور الجن يلقيه على باب الكهف ليعمي الرصد حارس الذهب فيفتح باب الكهف ويأخذ من الذهب مايستطيع حمله إلا أن الخادم غافل الملك وأخذ جزءا من بخور الجن وأخبر والدته وخرجا سويا الى المكان نفسه وفعل كما يفعل سيده فانفتح الكهف ولطمع الأم أخذ الخادم يخرجلها وتحمل حتى انتهى مفعول البخور فأغلق باب الكهف على الخادم واختفى الذهب من يدالأم.
جيل لتجنب مخاطر الرصد:
هناك معلومات تؤكد أن ثمة اعتقادات عدة للسحرة ولراغبي الحصول على الكنوز يستخدمونها في التحايل على الرصد وتجنبه, ففي تقاليد الرصد المغربية اعتقاد جازم بأن تناول قلب طائر النورس نيئاً يساعد الباحث عن الكنز في رؤية كل ما هو غير مرئي ومن ذلك مخابئ الكنوز وأماكن تواجد الحراس الراصدة تحت الأرض! وكذلك يعتقدون أن الجن الراصدة مخلوقات ذميمة وقزمة, تسكن في شقوق باطن الأرض والمغارات والخرائب والحفر, وهي لا تنام أبدا, بل تغفو فقط فوق ركام الذهب والفضة والأشياء النفيسة الأخرى التي أوكلت اليها مهمة حراستها من طرف ملوك الجن, وفي بعض معتقدات السحر الخاصة بالتحايل على الرصد وخداعه لانتزاع الكنز يتم استخدام بعض الأطفال ذوي المواصفات الخاصة كأن تكون أيديهم ملفوقة أي مميزة بخط عرضي في اليد اعتقاداً بأن هؤلاء الأطفال المميزين كانوا في الحقيقة من أبناء الجن ولكن تم استبدالهم عند الميلاد بأبناء الآدميين, ومن ثم فهم لا يخافون من الجن أمثالهم إذا اقتربوا من الكنز ولذلك يلجأ السحرة إلى خطف هذه النوعية من الأطفال لمساعدتهم في نقل محتويات الكنوز المدفونة في باطن الأرض تحت أنظار الجن العاجزة ومن أغرب الوصفات التي تدخل في عمليات رصد مواقع الكنوز, ما يسمى ب¯"تبيع الديك" حيث يكتب الساحر سورة الشعراء بماء الزعفران المخلوط بماء الورد يوم الاثنين والشمس في السماء, ثم يضع الورقة في جلد ضبع مع قليل من التراب المأخوذ من جحر هذا الضبع, ويعلق كل ذلك في عنق ديك أبيض, ثم يخلي الساحر سبيله بعد ذلك في المكان الذي يشك في وجود الكنز فيه, ويبخر بالقصبر, ولن يتوقف الديك عن البحث الا بعد العثور على الكنز, حيث سيشرع في نبش الأرض بمخالبه وهو يصيح وينتفض وهناك وصفة أخرى لنفس الهدف تتمثل في كتابة تراتيل الرصد على أربع بيضات حديثات بعدها تطلق البخور في حيز مربع الشكل حول المكان المشكوك في وجود الكنز به ثم يتلى ما يعرف لدى السحرة بـ "قسم الطاعة" واحد وعشرين مرة ومن ثم ستجتمع البيضات على محل الكنز المقصود.
كما أن هناك بعض مصادر السحر تزعم أن كشف الجن ورؤية الأرصاد منوط ببعض أنواع الكحل وأن ذلك مذكور في كتب الروحانيين القدماء, فهناك كحل القمر وكحل عطارد الذي يكشف الذخائر المكنونة يوم الأربعاء على وجه التحديد وهناك كحل الزهرة ليوم الجمعة حيث رؤية الكنوز عياناً والعمار أرصاداً ومخاطبة من تريد من الجن الراصدة, أما كحل الشمس فهو ليوم الأحد وكحل المريخ ليوم الثلاثاء والسبت حيث رؤية الكنوز والكواكب السبعة نهاراً وهنا يجب تلاوة العزائم التي تقول : أيها الكواكب السعيدة افتحوا لى ابواب الكنوز وكذلك إطلاق البخور الصاعد وهو بخور السبعة كواكب السيارة ومخاطبتهم. ومن العجيب أنهم ينسبون لهذه الكحل قدرات عجيبة في رؤية غير المرئي, فيعتقدون بأنه يعلم الفلك ويري كل النجوم نهاراً ويهب القدرة على مخاطبة الجن نهارا وليلا ويكشف الحجب في كل السموات فيرى الإنسان ما هو طالع صاعد اليها وما هو نازل منها وما يعرج فيها.