وعليك السلام اخي البرق الساطع ..
ففتحا باب التابوت وتنحيا فجاءت الحية تبغي الرائحة فدخلت التابوت فشربت اللبن والخمر فسكرت ونامت, فقام عفان ودب الى التابوت دبيبا خفيفا فأغلق عليها باب التابوت وحصنه وأخذه , فمرا جميعا فلم يمرا بشجرة ولا نبت الا كلمهما باذن الله تعالى , فمرا بشجرة يقال لها: القرمل فقالت : ياعفان من يأخذني ويقطعني ويدقني ويعصر مائي ودهني ويطلي به قدميه فانه يخوض البحار السبع فلا تتبلل قدماه ولا يغرق, فقال عفان: اياك له طلبت, ثم انه قطع تلك الشجرة فدقها وعصر ماءها وأخرج دهنها فجعله في كوز ثم خلى عن الحية فطارت بين السماء والأرض وهي تقول : يابني آدم ماأجرأكم على ربكم ولن تصلوا الى ماتريدون , وسار عفان وبلوقيا الى البحر فطليا أقدامهما ثم دخلا في اليم ومشيا في الماء كأنهما كانا يمشيان على الأرض حتى قطعا البحر الأول ثم الثاني فاذا هما بجبل في وسط البحر ليس بعال ولا متدان ترابه كالمسك عليه غمام ابيض وفيه كهف وفي الكهف سرير من ذهب وعلى السرير شاب مستلق على قفاه ذو وفرة واضع يمينه على صدره والشمال على بطنه كالنائم وليس بنائم وهو ميت وعلى رأسه تنين وخاتمه بالشمال وكان ذلك سليمان بن داوود عليهما السلام وكان ملكه في خاتمه وكان خاتمه من فضة من ياقوت أحمر مربع مكتوب عليه اربعة اسطر في كل سطر اسم الله الاعظم وكان عند عفان علم من الكتاب , فقال بلوقيا من هذا الميت ياعفان؟ فقال: هذا سليمان بن داوود نريد ان نأخذ خاتمه ونملك ملكه ونرجو الحياة الى ان يبعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فقال بلوقيا: أليس قد سأل ربه فقال ربي هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فأعطاه اياه على ما سأل, ولا ينال ملك سليمان الى يوم القيامة لدعائه ؟ فقال عفان: يابلوقيا اسكت ان الله معنا ومعنا اسم الله الأعظم ولكن انت يابلوقيا اقرأ التوراة فتقدم عفان لينزع الخاتم من يد سليمان من اصبعه فقال التنين: ما أجرأك على ربك ان غلبتنا بأسماء الله تعالى فنحن نغلبك بقدرة الله , فقال كلما نفخ التنين ذكر بلوقيا اسم الله تعالى فلم تعمل نفخات التنين فيه شيئا ودنا عفان من السرير لينزع الخاتم من اصبعه فاشتغل بلوقيا بالنظر الى نزول جبرائيل عليه السلام من السماء فلما نزل صاح بهما صيحة ارتجت الأرض والجبال وتزلزلت منها فاختلطت مياه البحار وهاجت والتطمت حتى صار كل عذب مالح من شدة الصيحة فسقط عفان على وجهه وكذلك بلوقيا
ونفخ التنين فخرج من بطنه شعلة كأنها البرق الخاطف فاحترق عفان وعادت نفخته للبحر فما مرت بشيء الا حرقته ولا بماء الا سخنته وغلته, وان بلوقيا لما رأى العذاب ذكر اسم الله الأعظم فلم ينله مكروه.
ثم تراءى جبرائيل عليه السلام في صورة رجل فقال له ياابن آدم ماأجرأك على الله فقال له بلوقيا: من أنت يرحمك الله؟ فقال: أنا جبريل أمين رب العالمين, فقال بلوقيا: ياجبريل انما خرجت حبا لمحمد ودينه ولم أقصد الخطأ فقال: فبذلك نجوت
ثم صعد جبريل عليه السلام الى السماء ومضى بلوقيا فطلى قدميه بذلك الدهن فظل الطريق واجتازستة ابحر ووقع في السابع فاذاهو بجزيرة من ذهب حشيشها الورس والزعفران وأشجارها الزيتون والنخل والرمان فقال بلوقيا: ماأشبه هذا المكان بالجنة على ماوصفت. فدنا من بعض الشجر فتناول من ثمارها فقالت الشجرة: ياخاطيء ياابن الخاطيء لاتأخذ مني شيئا فبقي متعجبا , واذا بحذاء الشجرة قوم يتراكضون وبأيديهم سيوف مسلولة وهم يتناوشون بعضهم بعضا بالضرب والطعن فلما رأوا بلوقيا أحاطوا به وهموا به بالسوء فذكر بلوقيا اسم الله فتعجبوا منه وهابوه وقالوا باجمعهم لااله الا الله محمدا رسول الله, فقالوا من انت ياعبدالله ؟ فقال: انا من بني آدم فقالوا : مااسمك؟ قال: اسمي بلوقيا وانا من بني اسرائيل فقالوا: نعرف آدم ولا نعرف اسرائيل فماالذي أوقعك الينا ؟ فقال: اني خرجت في طلب نبي يسمى محمد واني ضللت الطريق الذي اردته ورأيت من الأهوال كذاوكذا , فقالوا : يابلوقيا نحن من الجن المؤمنين ونحن مع ملائكة الله في السماء ثم نزلنا الى الارض وقاتلنا كفرة الجن ونحن ههنا مقيمون نغزوهم ونجاهدهم حتى يوم القيامة, ولسنا نموت الى يوم القيامة وانت تصير معنا فقال بلوقيا لملك الجن وكان اسمه صخرا: ياصخر أخبرني عن خلق الجن كيف كان ؟ قال لما خلق الله تعالى جهنم خلق لها سبعة ابواب وسبعة ألسنة وخلق منها خلقين خلقا في سمائه سماه جبليت, وخلقا في أرضه سماه تمليت , فأما جبليت فانه خلق في صورة أسد وأما تمليت في صورة ذئب وجعل الأسد ذكرا وجعل الذئب أنثى, وجعل طول كل واحد منهما مسيرة خمسمائة عام وجعل ذنب الذئب في منزلة ذنب العقرب, وذنب الأسد في منزلة ذنب الحية وأمرهما ان ينتفضا في النار انتفاضة فسقط من ذنب الذئب عقرب, ومن ذنب الأسد حية , فحيات النار وعقاربها من ذلك ثم أمرهما أن يتناكحا فحملت الذئب من الأسد فولدت سبع بنين وسبع بنات فأوحى الله اليهم ان يزوجوا البنين من البنات فستة من البنين أطاعوا وواحد لم يطع ولم يتزوج فلعنه أبوه وهو ابليس وكان اسمه الحارث وكنيتة ابو مرة فهذا أول خلق الجان يابلوقيا.
وان دوابنا لاتثبت مع الانس ولكنني اجلل فرسي وابرقعه حتى لايعرف من راكبه واركب عليه على اسم الله تعالى فاذا انتهيت الى بحر أعمالي على ساحل بحر كذاوكذا فاذا أنت بشيخ وشاب ومشايخ معهما, فانك ستلقاهما هناك فادفع الفرس اليهما وامش في حفظ الله راشدا . فركب بلوقيا على ذلك الفرس حتى انتهى اليهم فسلم على الشيخ والشاب ونزع الفرس ودفعها اليهما وكان قد فصل من عند ملك الجن عند الغداة وبلغ اليهما نصف النهار, فقالا له: يابلوقيا منذ كم فارقت الملك ؟ قال: فارقته في الغدوة , قالا: ماأسرع ماجئت قد أتعبت فرسنا, فقال بلوقيا: مامددت اليه يدا ولا حركت عليه رجلا ولم اركضه ركضا. قالا: بلى ولكن فرسنا أحس بك وبمنزلتك وثقلك فطار مابين السماء والأرض ليريح نفسه منك فكم تراه جاب بك؟ قال: خمس فراسخ أو أكثر, قالا: بل جاب بك في هذه المدة مسيرة مائة وعشرين سنة, وكان يطير بك بين السماء والأرض حول الدنيا دون (قاف) وأنت لاتعلم.
فخلوا عنه السرج واللجام والبرقع فاذا العرق يقطر ويسيل من كل شعرة منه وله جناحان انقضا وتكسرا من كثر الطيران والدوران والعياء والكلال, قال بلوقيا: هذا والله لعجيب, فقالوا : عجائب الله لاتنقضي,
ثم سلم عليهما ومضى فركب اليم وبينما هو يسير اذ رأى ملكا احدى يديه في المشرق والأخرى في المغرب وهو يقول لااله الاالله محمد رسول الله فسلم عليه بلوقيا, فقال له الملك: من أنت أيها الخلق المخلوق؟ قال: انا بلوقيا وأنا من بني اسرائيل من ولد آدم , ثم قال له بلوقيا: أيها الملك مااسمك؟ قال: اسمي يوحابيل وانا ملك موكل بظلمة الليل وضوء النهار, قال : فما بال يديك مبسوطتين؟ قال : في يدي اليمنى ضوء النهار وفي اليسرى ظلمة الليل, ولوسبق النهار الليل أضاءت السماوات والأرض ولم يكن الليل أبدا ولو سبقت الظلمة لأظلمت السماوات والأرض ولم الضوء أبدا , وبين يدي لوح معلق فيه سطران سطر أبيض وسطر أسود فاذا رأيت السواد ينقص نقصت الظلمة واذا رأيت السواد يزداد زدت الظلمة, وكذلك البياض, فلذلك الليل في الشتاء أطول من النهار والنهار في الصيف أقصر, ثم سلم بلوقيا ومضى, فاذا هو بملك آخر قائم يده اليمنى في السماء واليسرى في الأرض وقدماه تحت الثرى , وهو يقول لااله الا الله محمد رسول الله فسلم عليه بلوقيا فقال له الملك: ممن أنت وما اسمك ؟ فقال: اسمي بلوقيا وانا من بني اسرائيل واسرائيل من ولد آدم, ثم قال بلوقيا: أيها الملك مااسمك؟ قال: مخاييل, فقال: فما بالي أرى يمينك في السماء وشمالك في الماء؟ قال: أحبس الريح بيميني والماء بشمالي ولو رفعت شمالي عن الماء لزخرت البحار كلها في ساعة واحدة وتلاطمت باذن الله واغرقت الدنيا ومن عليها , ويدي المنى في الهواء أحبس الريح عن ولد آدم لأن في السماء ريحااسمها الهائمة ولو اسلتها لنسفت من في السماء ومن في الأرض.
فسلم بلوقيا ومضى فاذاهو بأربعة من الملائكة أحدهم رأسه كرأس الثور والآخر رأسه النسر والثالث رأسه كرأس الأسد والرابع كرأس الانسان , فأما الملك الذي رأسه كرأس الثور فانه يقول اللهم ارحم البهائم ولاتعذبها وارفع عنها برد الشتاء وحر الصيف واجعل في قلوب بني آدم لها الرأفة والرحمة كي لا يكيدوهن ولايكلفوهن فوق طاقتهن , واجعلني من أهل شفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة,
وأما الذي رأسه كرأس النسر فيقول: اللهم ارحم الطيور وارفع عنها برد الشتاء وحر الصيف واجعلني من أهل شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة, وأما الذي رأسه كرأس الأسد فيقول: اللهم ارحم السباع ولا تعذبها وادفع عنها حر الصيف وبرد الشتاء واجعلني من أهل شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة وأما الذي رأسه كرأس الانسان فانه يقول : لااله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم ارحم المسلمين ولاتعذبهم وادفع عنهم النار واجعلني من أهل شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة ,
ومضى بلوقيا حتى انتهى الى جبل(قاف) فاذاهو بملك قائم على جبل قاف وان جبل قاف محيط بالدنيا من ياقوتة خضراء وذلك قوله تعالى((قّ والقرآ ن المجيد)) فسلم بلوقيا على الملك فقال له الملك من أنت؟ فقال: انا بلوقيا وانا من بني اسرائيل من ولد آدم, فقال له الملك: وأين تريد؟ قال : خرجت في طلب نبي من العرب يقال له محمد ولست ارى أثره ولاأدري في أي البلاد أنا, فقال له الملك: لااله الا الله محمد رسول الله قد أمرنا بالصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال بلوقيا: أيها الملك مااسمك؟حزقيائيل , قال: وماتصنع ههنا؟ قال: انا أمين الله على جبل قاف وفي يده وتر مرة يعقده ومرة يحله وعروق الأرض كلها مشدودة عليه والوتر في كفه قال: فذا أراد الله ان يضيق على عباده امرني ان أمد الوتر وأعقده وأوثق عروق الأرض فتضيق الدنيا على العباد واذا اراد الله ان يوسع عليهم أمرني ان ارخي الوتر فأفتق عروق الأرض فتتسع الدنيا على العباد واذا أراد الله ان يخوف قوما أمرني الله ان أحرك عروق تلك الأرض فمن أجل ذلك موضع يهتز وموضع لايهتز, وموضع يتزلزل وموضع لايتزلزل, قال بلوقيا: أيها الملك ماوراء قاف؟ قال: وراء قاف أربعون دنيا غير الدنيا التي جئت منها, في كل دنيا أربعمائة ألف باب وفي كل باب أربعمائة ضعف مثل الدنيا التي جئت منها وليست فيها ظلمة, بل كلها نور أرضها ذهب عليها حجب من نور وسكانها الملائكة لايعرفون آ دم ولاابليس ولاجهنم وهم يقولون لااله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الهموا ولذلك خلقوا وبه امروا الى يوم القيامة. قال بلوقيا: فماوراءهم أيهاالملك ؟ قال حجب ووراء الحجب علم الله وقدرته , قال بلوقيا: أخبرني أيها الملك على أي شيء هذا الجبل موضوع ؟ قال: بين قرني ثور اسمه بهموت وهو أبيض رأسه بالمشرق ومؤخره بالمغرب بين قرنيه مسيرة ثلاثين ألف سنة وهو ساجد لربه تعالى على صخرة بيضاء , قال بلوقيا: أيها الملك كم الأرضون وكم البحار؟ قال : الأرضون سبع والبحار سبع, قال: فجهنم أين هي؟ قال: تحت الأرض السابعة ,فسلم عليه بلوقيا ومضى حتى انتهى الى حجاب طرفه في السماء وأسفله في الماء عليه باب مقفل وعلى القفل خاتم من نور وعلى الباب ملكان أحدهما رأسه كرأس الثور ولآخر رأسه كرأس الكبش وهما يقولان لااله الاالله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلم عليهما بلوقيا فردا عليه السلام وقالا: أيها الخلق المخلوق ممن أنت وما اسمك؟ قال اسمي بلوقا وانا من بني اسرائيل من ولدآدم فقالا: لااله الاالله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه أسماء ماعرفناها. قال: كيف تعرفون محمدا وماتعرفون آدم ومحمد من نسله فقالا: هكذاخلقنا وبهذا أمرنا ولم نسمع باسم آدم واسرائيل ، فقال : بلوقيا افتحالي الباب حتى أجوز فقالا: لا نحسن فتحه وان لله ملكا في السماء أسمه جبريل عسى أن يقدر على فتحه فدعى بلوقيا ربه . قال: فأمر الله تعالى جبريل فنزل اليه وفتح له، ثم قال له: يا ابن آدم ما أجرأك على الله , ثم جاز بلوقيا حتى انتهى الى بحرين بحر مالح وبحر عذب فرأى بينهما حاجزا.. يتبع