تعریف الباطن عند العقلانیین :
یراد بلفظ<العقلانیین> ھنا تحدید فئة معینة لا تسمي الباطن باطنیا وإنما تطلق علیھ أسماء
وأوصافا مغایرة ، وھي فئة علماء النفس وأطباء الاضطرابات العقلیة والباحثین في مجالات
التواصل البشري غیر المنظور أو المحسوس و مع البشر ومع الأشیاء .
ففي اعتقاد ھذه الفئة ، أن الباطن لا وجود لھ إطلاقا ، وكل ما لا یمكن رؤیتھ أو لمسھ أو
شمھ أو ذوقھ أو سماعھ فلا وجود لھ إلا في مخیلة الإنسان القائل بكینونتھ . وكل ما یمكن
الاعتراف بوجوده في ھذا المجال محدود ومحصور علمیا كوظائف الدماغ ، من ترجمة
للمرئیات ، وتسجیل لھا بواسطة الذاكرة، واستحضار لما یحتاج إلیھ المرء منھا عند
الاقتضاء ، ومن إدراك للمقاییس الملموسة (كالمسافات والقیم النقدیة)، والمعنویة
(كالقوانین) ، وإصدار للأحكام على أساس تلك المقاییس ، ثم من تخیل وتصور
واستنباط للأشكال المعنویة أو المادیة الجدیدة عن طریق ذلك ، ثم من تحلیل لما تعاینھ
الحواس الخمس لمعرفة طبیعتھ أو شكلھ ، أو رائحتھ أو صوتھ أو مذاقھ .
ویعتب رواد ھذه الرؤیة أن الباطن - إذا اصطلحوا على تسمیتھ بھذا الاسم- لا یخرج عن
الأشیاء والوظائف المذكورة وما شابھھا . ولذلك نجد ھذه الفئة تحاول دوما أن تجد أجوبة
مادیة تجریبیة للظواھر الباطنیة ، أو الظواھر الغریبة ذات المنشأ الباطني ، فإما أن یعطو ا
عنھا تفسیرات غیر مقنعة یظھر فیھا الارتباك ، وإما أن یرفضوھا إطلاقا ویلوھا ظھورھم
قائلین إنھا غیر موجودة بتاتا (كما یحدث لھم أمام ظاھرة الإنسان الذي یتخبط من المس أو
الفتى
((المسكون)) الذي یتحدث لغة القوة التي تسكنھ ویكتبھا ویقرأھا دوم أن یكون ذا علم
سابق بذلك) وإما أن یتجاھلوھا جملة وتفصیلا كأنھا لا توجد أصلا .
إن الواحد من ھذه الفئة حین یبدأ في سرد بعض المعطیات أو وصف الظواھر ذات المنش أ
الباطني . وتأخذ في محاولة تفسیرھا لھ ، تجده یقول لك : <إن ھذا لن یجدینا في شيء ، وإنھ
لن ینفعنا قط أن نعرف تفسیر ھذه الظواھر ولا حتى الاعتراف بھا ، ثم بماذا سیفیدنا ھذ ا
الباطن أو ھذه النظرة الباطنیة على الأشیاء والظواھر> ویبدأ یستدل لك على صحة مقولتھ
بما وصلت إلیھ البشریة من((علم)) و((تقدم)) و((تكنولوجیا)) دونما حاجة إلى ھذا المسمى بالباطن
. ویمكن اتخاذ الماركسیین والوجودیین كعینة لھذه المجموعة . إن الباطن عند ھؤلاء إذن
مجرد أساطیر وخرافات . فالقول بوجود الجن خرافة ووجود الملائكة خرافة ، والقول
بالعبث خرافة ، الخ...
إن ھذه النظرة لا یمكن أن یكون أصلھا إلا أصلا إلحادیا أو على الأقل أصلا متجاھلا لم ا
جاءت بھ الرسالات السماویة . وقد بلغ الأمر بأصحاب ھذا المنظور إلى إنكار خلق آدم علیھ
السلام ، وإنكار أن تكون حواء انبعثت منھ بإرادة إلھیة قادرة ، وإنكار قصص الأنبیاء
والرسل ، وإرجاع الكتب المنزلة إلى الأنبیاء الذین أوحیت إلیھم ، فقالوا إن ھؤلاء الأنبیاء ھم
كاتبو تلك الكتب ومؤلفوھا ، فتحدثوا في سیاق ذلك عن شاعریة موسى وثوریتھ ، وحكمة
عیسى وتبصره ، وعبقریة محمد صلى الله علیھ وسلم وحنكتھ ، فنفوا الفعل الإلھي حتى دون
أن ینكر بعضھم وجوب وجود الخالق جلت قدرتھ .
ولا أخال إلا أن على كل مسلم مؤمن واجب التبرؤ من ھذه المجموعة ، واستنكار أقواھا .
ورفض كل ما یصدر عنھا مما لا یمكن إلا أن یكون حاملا للضرر والویل والفجیعة ، فلا
ینتظر منھا خیرا ولا منفعة فیندم على انتظاره وقتلھ عمره فیما لا طائل تحتھ ، ولسبب بسیط
ھو تعارضھا مع التعالیم الإلھیة التي ضمنھا الله رسالاتھ .