يمثل أوشو ظاهرة فريدة في مرجعيته الروحية إذ بالرغم من كونه قد نشأ في مجتمع يدين بمختلف
الأديان إلا أنه جمع كل الأديان والمعتقدات بخلاصتها الروحية في تعاليمه فلا تخلو نصوصه من الرجوع إلى إرث الصوفيين بما فيهم ابن عربي كما يعود إلى روحانية السيد المسيح وبوذا وكريشنا وفلسفة الموحدين . وغالباً ما يتم تعريف أوشو بالقول بأنه : لم يولد أبداً , ولم يمت أبداً ولكنه زار هذه الأرض ما بين 1931 وحتى 1990 , إنه المتصوف المستنير , أمضى أعوامه في المحاورات التي تذكر بأيام الفلاسفة اليونانيين , ناقش أفكار الحكماء في العالم واستمر في محاولة طرح رؤية جديدة وحديثة حول كل الأشياء الخاصة والمحيطة بالإنسان , لقد جلب أطراف الحكمة التي راكمتها البشرية إلى بعضها البعض . يقول أوشو : رسالتي لك ليست معتقداً أو ديناً تعتنقه , ولا هي فكر فلسفي , إنها نوع من كيمياء الإنسان إنها علم التحول لذا فلن يستدعها إلا أولئك الراغبين في ملاقاة الموت على أمل ولادة جديدة , إلا أولئك الشجعان الذين هم على استعداد للإصغاء رغم معرفتهم بما لهذه التجربة من خطورة . الإصغاء هو الخطوة الأولى على طريق الولادة الجديدة إذن هو ليس فلسفة أو معطفاً ترتديه وتتفاخر به وليس معتقداً تعتنقه يعطيك أجوبة على أسئلة مقلقة تؤرق حياتك إنه أبعد من ذلك بكثير إنه ليس أقل من موت وانبعاث . ويقول : أنا لا أنتمي إلى فكر ديني معين أنا بداية وعي جديد للإنسان لذلك أنا غير مرتبط بالماضي الذي لا يستحق حتى أن نتذكره . هذا الحكيم لديه الكثير من المقالات والكتب المؤلفة يقول في إحدى مقالاته : أنا لا أدعوك إلى أن تصبح هندوسياً أو يهودياً , أن تصبح مسلماً أو أن تصبح مسيحياً , أنا هنا لأساعدك لتصبح متديناً تقياً , وعرف عنه إصراره بعدم رغبته أن يوضع له اسم أو توصيف فكري معين , إنطلاقاً من إيمانه أنه لا توجد فلسفة تصف الحقيقة بشكل مطلق , وفي إحدى محاضراته يقول : أنا أساعدك في إدراك السكينة في روحك هذه ليست تعاليم ولا عقيدة ولا حتى قانون ديني محدد لهذا أستطيع أن أقول أي شيء , أستطيع أن أناقض نفسي في الليلة مئات المرات , إنني في حالة صعبة جداً فمنذ اليوم الذي دخل فيه حب الله فيَّ , اختفت الكراهية في داخلي .. لذلك حتى لو أردت أن أكره فلن أستطيع حتى لو أتى الشيطان أمامي لا يسعني إلا أن أحبه .. ليس لدي خيار آخر , لأنني قبل أن أستطيع أن أكره أحتاج إلى وجود الكراهية في داخلي وبغير ذلك لا أستطيع , ومن المستحيل أن يتعايش الحب مع الكراهية في نفس القلب , إنهما متناقضان تماماً , مثل الموت والحياة . لقد تجاوزت تعاليم أوشو كل الفكر المؤسسي الديني والروحاني وحاول أن يساعد الإنسان على تلمس طريقه في الزمن الحالي من سعي الفرد إلى معنى الحياة , وقد وضعت صحيفة سندي تايمز البريطانية أوشو كواحد من أهم مئة شخصية شكلت القرن العشرين وقدم أوشو توجهاته بأنها محاولة للمساعدة في خلق مناخ لولادة نوعية جديدة من البشرية ترتقي بأرواحها وتدرك وجودها وروابطها في هذا الكون . إن أوشو يسعى لأن يجمع بين الخيوط تلك التي نسجت روحانية الشرق مع الفكر العلمي للغرب في الإنسان الحديث وقد طور أوشو أساليب التأمل لتكون جزءاً من الحياة اليومية للإنسان هادفاً نحو الصفاء النفسي والروحي والخروج من رحى الاستيلاب والاغتراب . وتأتي أهمية فلسفة أوشو من كونها تخاطب الإنسان في جوهر كيانه , بلغة بسيطة عميقة صادقة ومفهومة , وفلسفته تصلح لكل زمان ومكان , ويتمتع بقدرة عجيبة على إضاءة الأعماق المظلمة للنفس البشرية حيث يعشش الخوف والقلق . ويوصلنا أوشو لحقيقة لا تستقيم الحياة بدونها وهي : علينا أن نظهر وجهنا الحقيقي مهما كان الثمن , ويبين لنا بأمثلة عديدة أن الناس الذين يعيشون بأقنعة ويظهرون عكس ما يضمرون , يصابون مع الزمن بانفصام داخلي وتتدمر ثقتهم بأنفسهم بالتدريج ولن يعرفوا معنى الهدوء والاستقرار الداخلي , فالصدق مع الذات أولاً ومع الآخر ثانياً هو أساس بناء علاقات صحيحة في مجتمع سليم , ويبين أن عملية البحث عن الذات أشبه برحلة شاقة , إذ يجب علينا إسقاط جميع الأفكار الموروثة عن أنفسنا , فالإنسان يجمع كل ما يقوله الناس عنه ويجعله هويته , إننا ننسى صفاتنا الأصلية ووجهنا الحقيقي , ويصير هدفنا الحصول على إعجاب الناس وتقديرهم ورضاهم , فأوشو يدفعنا للمجازفة يقول بإيمان : جازف لتكون حقيقياً , وكل الوقت الذي عشناه باستخدام الشخصية الزائفة هو انتحار بطيء نمارسه على أنفسنا , يحفزنا أوشو على اكتشاف آفاق جديدة للحياة , يجعلنا نفهم العالم حولنا وكيف نتعامل معه , ويدلنا على الأصالة الحقيقية الكامنة في نفوسنا والتي ضيعناها بسبب الضغوط الهائلة لهذا الزمن وبسبب الخوف من الحياة . وتدعو أفكار هذا الحكيم العظيم الإنسان إلى التجذر في الوجود وفتح النوافذ على الوجود بأن يذهب الإنسان إلى الله لا نتيجة للخوف , وإنما من خلال الحب فلماذا تبحث عن النور خارج ذاتك ؟ الله أعطاك كل ما أنت بحاجة إليه منحك النور الداخلي , وهو دائماً إلى جانبك ومعك ليساعدك على التمييز بين الصح والغلط يغمرك بغبطته ورضاه , لا تكن مثل أولئك المستلقين على قارعة الطريق بانتظار من يقلهم معه فهذا مضيعة للوقت وهدر للطاقة الكامنة فيك , أنا لن أقول لك ما عليك فعله ولا كيف يجب أن تفعل هذا أو ذاك بل أطلب إليك أن تكون أنت ولا أحد غيرك . كل ما هو جميل في هذا الوجود هو الله .. كل ما فيه بهاء وعظمة هو الله .. أينما رأيت الجمال , فهو مقدس .. أينما رأيته , انحني و اسجد تقديساً له .. فهذا من الله والله جميل ويحب الجمال .. الجمال ليس حكراً على شيء دون آخر .. قد تراه في وجه إنسان , في زهرة , في نجمة .. أينما وجدته , وأحسست بروعته بالعظمة الكامنة فيه قف قليلاً .. خذ من وقتك لتتأمل عليه .. وسيفاجئك .. كلما ازددت إدراكاً للجمال , ستزداد قرباً من الله , وسترى البهاء في كل مكان .. سترى عظمة الخالق في كل شيء وفي الحقيقة هذه العظمة موجودة في كل شيء ومكان حتى في الصخر الجامد , في الحقيقة ليس هناك أي شيء بشع لأن الله الجمال الصافي هو الذي خلق كل شيء خلقه على صورته على جماله أما القبح فهو فهمنا الخاطئ هو سوء فهمنا للأشياء ونظرتنا السطحية إليها , عندما تبحث عن ذي الجلال ستراه في كل مكان في البرق وستسمعه مع الرعد ستحس به يغسلك بالمطر تسمعه في الصمت والصوت وسترى الأمور على حقيقتها لأول مرة المعبد والمسجد في قلبك وأنت في هذا الكون في المعبد الأكبر .. تسجد في كل لحظة لذي الجلال والإكرام . أوشو اسم معناه المحيط .. محيط من العلم والحكمة .. تستطيع فهمه بقراءة كتاب أو مقالة لكنك لا تستطيع الكلام عنه وتحديده بكلمات . أوشو ذلك الفيلسوف الهندي , العالم الكبير في التأمل المحب للسلام ووئام الأديان , معلم بوذي قرأ عن الإسلام وأسهب في الحديث عن الصوفية وألف كتابه الجميل أسماء الله الحسنى .