|
|
26-03-2011, 11:35 | رقم المشاركة : 1 | |
|
بين الفكر و الروح
في يوم من الأيام حكَم ساحرٌ أرضاً وقصراً لا يسكنه سواه، فالجميع شعب وخدم وحاشية فرّوا من ظلمه وطغيانه هاربين. لم يبقَ سوى قطيع من الغنم مستسلمين غير ثائرين. وحين علموا بأن الساحر ينوي قتلهم وأكلهم انتابهم القلق وأصبحوا من الساحر خائفين فاتفقوا على الهرب إلى الجبال منه فارّين. علِم الساحر بنواياهم وقرر استغلالهم بتنويم كالذي يقوم به السياسيون لغسل أدمغة الشعوب وإبقاءهم تحت سيطرتهم فتهدأ ثورتهم وتستكين ويكونوا لأوامرهم طائعين. ما حدث أن الساحر اقترح على الغنم وهُم نيام يحييون حياة المنام أنهم بشراً وليسوا أغنام وما من شيء يخافوه... اقترح عليهم أن أرواحهم خالدة وأن الموت لن ينال منهم فلا شيء يخشوه. آمن الغنم بكلام الساحر وصدّقوه يوماً بعد يوم قلّ العدد حتى أكلهم جميعاً ولم يتبقّ منهم أحد. هذه الحكاية الرمزية هي تجسيد لحياتنا العادية، تجسيد لحياة الإنسان الآلية. يولد البشر في زماننا هذا كالآلات ويموتون كالآلات دون أن يذوقوا طعم الحياة. لم يولد الإنسان ولم يأتِ هذا البُعد الكوني من الوجود ليكون آلة. الإنسان هنا لأجل أن يعي قدَره ويتعرّف على نفسه، أين كان، من أين أتى وما دوره الآن وهنا وإلى أين المصير... الإنسان هنا لأجل أن يحيا مجد ألوهيته، ليقرأ آيته ويعيش نعمته... لكن هذا لم يحدث... لكن هذا لم يحدث فالتنويم والنوم هو الحال الذي حدث وطال الإنسان وهو الآن في حال من النسيان... نسيان قدَره وأصله وما بإمكانه فعله لينبض قلب العالم بالسلام وتكون جنة الله هنا على هذه الأرض. ومن المسؤول؟ السائل هو المسؤول... أنا وأنت يا أخي قبل غيري... نفسي المسؤولة قبل غيري فهي التي قبِلت وسمَحَت للمجتمع، للمؤسسات الإجتماعية والطائفية والسياسية بأن ترمي السحر وتكون الساحر. المجتمع بحاجة للعبيد، وأنا ارتضيت حياة العبودية، المجتمع يمنح الهوية والإحترام والفرص للعبيد وبعد أن يرحلوا عن الدنيا جهلاء كما جاؤوها، يطلب المزيد. لا خوف ولا قلق من تمرد العبيد وثورتهم طالما أن أحداً من أصحاب الأمر والنهي لم ولن يسمح لهم برؤية جوهرتهم وحقيقتهم، بالدخول إلى أنفسهم واكتشاف معنى وجودهم وحقيقة ألوهيتهم وقدرهم الذي ينتظرهم هذا هو الهدف من إنشاء مؤسساتنا وجامعاتنا ومدارسنا ومعابدنا وتسويق ثقافتنا وإلصاقنا بهويتنا... الهدف تنويم الإنسان وإبعاده قدر الإمكان عن ما لا يدركه بصر ولا يفهمه عقل أو ثقافة أو حضارة ولا يُعرف له مكاناً ولا عنوان. منذ الولادة والبداية حاول المجتمع إقناع الطفل بأنه موجود لصالحه، لحمايته، بأنه في خدمته وتهمّه مصلحته ومع هذا الإقتراح تبدأ الكذبة الأولى. تلي الكذبة الأولى سلسلة من الأكاذيب لإقناع الإنسان فكرياً وفلسفياً عن طريق المعتقدات بأنه روح خالدة لا تفنى. غير صحيح... الأمر صحيح وجودياً لكنه خاطىء فكرياً وكيف للفكر أن يعرف شيئاً عن الخلود؟ الفكر يولد ويموت وأنت تحدّثه عن ما لا يولد ولا يموت؟ وحين تخاطب الإنسان أنت تخاطب فكره ولا تستطيع الدخول والإبحار في كيانه أكثر... سيؤمن بما قلته أو يكفر به لا أكثر... من هنا أقول بأن الأمر غير صحيح. سيكون صحيحاً إذا مشى الإنسان درب التدين، إذا دخل نفسه وتأمل ليولد روحاً تحيا وتمشي وتتكلم حتى يختبر معنى خلوده وقبل هذا فكلامنا عن الروح والخلود مجرد نظريات وأوهام ليس إلا. نحن نحيا حياة الفناء في حال التنويم هذا، أو هل أقول حال البلاء؟... نحيا البلاء وقريباً الفناء لأن حضارتنا ومجتمعاتنا أوهمتنا وأقنعتنا بأننا جسد نحيا الحياة كجسد... نحيا لأجل أن نأكل ونشرب ونمارس الجنس ونجمع المال ونعتلي المراكز لنتباهى ونتفاخر بالمال والمنصب والعيال. الأكل والشرب والجنس والمال والعيال جميعها لم تكن موجودة يوماً ما في أبدية الوجود التي لا تعرف تاريخاً ولا تأريخاً ولا صفحات ولا لحظات قبل أو بعد. جميع هذه الألعاب وُلِدت وطوّرها الإنسان... وما يولد يموت وما الولادة سوى بداية لحياة الجسد لكنها ليست بداية حياتك أنت، وما الموت سوى نهاية لحياة الجسد لكنه ليس نهايتك أنت وهل نعلم شيء عن وجود ما هو أبعد من جسدنا وعقلنا وطموحنا وأملنا وحلمنا؟ هل تطوّع أحد وعلّمنا؟ ماذا نتعلم في مدارسنا؟ هل اختبرنا يوماً ما تجارب أبعد من حدود أجسادنا؟ هل ذقنا حلاوة نعمة أرواحنا؟ هل تعرّفنا على شيء بداخلنا حملناه معنا قبل ولادتنا؟ إلى أن يحدث هذا فالإنسان فانياً وليس خالداً، الإنسان مشغول بتفاصيل حياته اليومية ولم يشرب بعد من كأس الأبدية. أعرف اليوم كل شيء عن جسدي ولكني أجهل كل نور من أنوار روحي. أجهل روحي لأن المجتمع لا تهمه الروح، المجتمع يهتم بالجسد. المجتمع بإمكانه استخدام أجسادنا سلعة وتحويلها سوقاً يعرض فيه وعليه آخر صيحات الموضة والأزياء والماكياج والأحذية والمجوهرات والطعام، فيتاجر ونأكل الطُّعْم ونشتري ونهتري بين المحلات والتجمّعات لكن الروح؟ ما حاجة المجتمع لها؟ على العكس، فإنسان الروح بالنسبة للمجتمع هو خطر شديد، أما إنسان الجسد فمجرد واحد من ضمن قطيع مطيع، مجرد عبْد من العبيد عبْد للدولة والوطن والثقافة ورجال الدين وللأغبياء السياسيين. إنسان الروح هويّته الحرية، فقد تحرر من إغواء الانتماء وعقائد وسياسات هدفها الأساسي أسره وإبقاءه في سجن العبودية إنسان الروح التزم بوفاءه للوجود، لله وتخلى عن التزاماته وواجباته وحياته الإجتماعية والقومية والوطنية والثقافية وغيرها من أوهام هدفها أسره وإبقاءه في سجن العبودية، في سجن الشخصية بعيداً عن الحقيقة الإلهية الكليّة الكونية. إنسان الروح لا يمكنه العيش بشخصية شيعية أو سنيّة أو مارونية أو هندوسية، لا يمكنه أن ينتمي لأي حشد أو تجمّع تخفّى في رداء الجماعة وما أبعد هذا التجمّع وهذه الحشود عن فهم علم وحياة الجماعة إنسان الروح يحيا حياة الأفراد والحقيقة لا يعلمها إلا الأفراد، نخبة النخبة وصفوة الصفوة. المجتمع يهتم بالجسد، والمتمرّد الحقيقي هو من بدأ بالبحث عن أصوله وبذور ألوهيته المزروعة في تربة روحه ومتى بدأ البحث شعر المجتمع وكياناته ومؤسساته بالخطر الآن يوجد إنسان لا يهتم بالبضائع والأسواق والشهادات والمظاهر والمعارض، الآن يوجد إنسان يصادق الأكوان ويبحث في نفسه عن علوم ومودّة ورحمة الرحمن، وما حاجة المجتمع لهكذا إنسان؟ هذا الإنسان بدأ الآن رحلته الداخلية ولن يقع بعد اليوم ضحيّة للألعاب الخارجية. والمجتمع خارج الإنسان، ويريد أن يستهلك طاقة هذا الإنسان لأجل أن يكون سلعة خارجية تنظر وتسمع وتقرأ بعيونها وأذنيها ولسانها، لا ببصيرتها ووعيها وصمتها. خارج هذا المجتمع وداخل كهف القلب يصبح الإنسان خارج حسابات المجتمع والحشود والثقافة والسياسة والمذهب والطائفة خارج المجتمع يرمي الإنسان الشخصية ويخسر الهوية حيث تتراءى له سخيفة صغيرة أمام عظمة الكونية الإلهية داخل كهف القلب يفرِد هذا الفرد شراعه وحده ويُبحر في ذاته بحثاً عن مصدر خلوده وبقاءه. للمجتمع خطة بديلة، سحر جميل لتنويم عقول البشر وإقناع كل واحد منهم بأنه يبحث عن الله، عن ذاته، بأنه متدين وصالح نعم للمجتمع خطة بديلة توهم الإنسان بأنه صاحب حق وفضيلة وأنه بعيد كل البعد عن الرذيلة وكما أقنع صديقنا الساحر قطيع الغنم وأوهمهم بأنهم بشر خالدين، كذلك يقنعنا المجتمع بأننا صالحين وفاضلين وبأحوال كل شيء عارفين، وأين هي المعرفة من العرفان؟ الذهاب إلى الكنيسة والمسجد والمعبد لا يعني تديّناً وبحثاً عن الذات أو عن الله لكن شريعة المجتمع وأعرافه وتقاليده أخبرت وشفّرت كل إنسان بأن الذهاب إلى هذه الأماكن يعني التديّن والصلاح، وما بالنا نذهب كل يوم ورغم هذا ما من أحد قال بأن نور فجر المحبة والرحمة في الأفق لاح؟ الكل نيام ويظنون أنهم في حال صلاة وحجّ وصيام... هذا تنويم المجتمع، فالكنيسة والجامع والمعبد، جميعها أماكن خارجية تماماً كما كل مكان أخبرت شريعة المجتمع وأعرافه وتقاليده كل إنسان بأنه إن أراد أن يمشي درب التدين بحثاً عن الله والخلاص والنجاة فرجل الدين هو العارف والفقيه والعالِم بأحوال الدين والموت والحياة وفي الحقيقة رجل الدين ليس سوى منفّذ لأوامر وأنظمة المجتمع والدولة، رمز آخر من رموز السلطة. خارج هذا المجتمع وداخل كهف القلب يدخل الإنسان معبد الأسرار فيعرف ويتعرّف بالعرفان لا بالمعرفة ويتعلّم ما علّمه الوجود للأنبياء والحكماء والقديسين والأولياء... يتعلّم ويفهم أن الحياة ما هي سوى فرصة يتحضّر من خلالها للقاء الحضرة الإلهية حين يأتيه الموت فيكون مستعداً لرحلة أبدية لم تبدأ ولن تنتهي. أشقياء هُم من غفلوا ونسوا أو تناسوا ساعة الموت ولحظة النشوة التي ترافقه، فسكنوا إلى قصورهم واختبأوا في أبراجهم واحتموا بمالهم وعيالهم وأحاطوا أنفسهم بوَهم وجحيم أفكارهم الحياة كما نعرفها ليست بالحياة الحقيقية، ليست داراً للحق الحياة كما نعرفها هي فرصة تحضير لحياة حقيقة، لدار وبيت الحق. الحياة كما نعرفها تخبأ في صدرها وفي أعماقها حياة حقيقية لها حضرة تخشع لها النفوس وفيها بركة تنتشي بها النفوس ورحمة وسعادة تطيب لمجالستها ومؤانستها النفوس. ما علينا سوى أن نشرح صدورنا ونفتح قلوبنا ونُفرغ عقولنا حتى نستقبل ونفهم ونعي دار الحق والأبدية المحجوب خلف ستار حياتنا الواقعية. بإمكان الإنسان بناء جسر يصل حياته الواقعية بحياته الحقيقية، وهذا دوره وعمله وعبادته وصلاته، وما لم يبدأ هذا العمل وهذه العبادة فحياتنا الواقعية مجرد حلم قصير جميل لأمل بعيد طويل. خلق الله الإنسان آية من الجمال.... جمال يبوح به نور الله حين يشعّ من قلب كل إنسان.... نور يشع بالرحمة والرأفة والمحبة، بالمودّة والوفاء والسلام فلماذا حجبت غيوم الظلام، غيوم المكر والدهاء والجاه وعشق ما في الجيوب، حجبت وبغَت وطغَت على نور القلوب؟ لا زالت الحيوانات تحتفظ بجمالها... الأسد جميل والببغاء والغزال والعصفور أما الإنسان... للأسف فقَدَ جماله ولم يقرأ آيته وكتابه فضلّ رشده وصوابه، وأصبح القبح صفة بشرية. الغزال لا زال غزالاً والطير لا زال طيراً أما الإنسان فليس بالضرورة أن يكون إنساناً. ليس بالضرورة أن يكون إنساناً فالإنسان لا يكون إنساناً ما لم يبلغ وعيه قمم محمديّته ومسيحيّته وألوهيّته، ما لم يكون مسيحاً آخر. خُلُقه القرآن وفعله غفران وفي نفسه سلاماً ورضوان قبل هذا ليس الإنسان بإنسان. كيف أكون إنساناً وأنا أحيا في ظلام نفسي اللوامة؟ لاوعيي ليله شديد وأنا أحاول إخفاءه وأبذل جهد جهيد إهانة واحدة، كلمة إهانة واحدة يوجهّها أحدهم إلينا وسيل من الغضب والعنف سيملأ عينينا، وستسري رعشة في يدينا فنرغب بضرب أو معاقبة من أساء إلينا. في لحظة تختفي إنسانيتنا وتتنحّى لتظهر حقيقتنا، وتتجلى بربريّتنا. وبإمكان الإنسان أن يهبط من جنّة إنسانيته إلى ما قبل مرحلة الحيوان إنه هبوط آدم من الجنة... فالهبوط والوقوع من الجنة لا قرار له، لا نهاية له ولا شيء أسهل من الوقوع حتى الوصول إلى أسفل سافلين وبإمكان الإنسان أن يرتفع إلى مقام الأبرار والصالحين والقديسين ويكون في أعلى عليّين، لكن الدرب طويل ولن يبلغ هذا المقام سوى من اغتنى بربّه وعن نفاق وكذب المجتمع استغنى واستعان بالصبر الجميل. ملايين الناس تولد وتموت دون أن تعيش فلا حياة لمن يحيا الحياة دون وعي لمعناها وقداستها وحكمتها لا حياة لمن ادعى الحياة كما يفعل الجميع يأكلون ويشربون ويتناسلون وينتخبون ويظنون أنهم بالحياة ينعمون لا حياة لهم لذلك احتاج سيغموند فرويد أن يدخل في أحلام البشر ليعرف من هُم حقاً، ليكشف لهم حقيقة موتهم ويُبطِل ادعاءاتهم الكاذبة بأنهم أحياء يُرزقون هذا هو الحال المائل... أن ترى حقيقة الإنسان، أن تتعرف على حقيقة الإنسان من أحلامه ومنامه لا من عيْشه وصحوته وتصرفاته وكلامه. لسان حالنا يكذب وأحلامنا تبوح بحقيقة ذاتنا وتتكلم... لا صدق في كلامنا فأي لسان يتكلم؟ أي وجه يتحدث؟ أقنعتنا كثيرة لا عدد لها فأي قناع هو أنت؟ أنت حتى لا تذكر لذا فأحلامنا أصدق منّا، تعبّر عن حالنا وأحوالنا بلسانها لا بلساننا. حالنا المائل لا يقف عند حدّ فهو حالٌ واقع تماماً كما وقع الإنسان في أحضان بربريته حالنا المائل يقول أن حتى أحلامنا لن تبوح بحقيقتنا الكاملة لن تخبر أحد عن سر كياننا ولن تحكي حكاية أرواحنا أحلامنا ستبوح بحقيقة ذاتنا اللوامة، ذاتنا المكبوتة والمظلومة، المنهارة والمقهورة. لكنها لن تبوح بحقيقة ذاتنا الإلهية وتروي قصتنا الأبدية فمن سيسمع الحكاية؟ سيغموند فرويد يحيا في ظلام لاوعيه تماماً كما يحيا كل إنسان... لن يسمع روايتك الإلهية... سيسمع فقط ما تخبره به أحلامك عن أمراضك النفسية وآلامك... هذا هو حالنا المائل وهذا ما نسميه بالطب النفسي الذي أصبح تجارة رابحة ورائجة في كل مكان. وما هو هذا الطب النفسي؟ إنسان لاواعي، إنسان تخفي أحلامه حقيقة ذاته المكبوتة يحاول أن يشفي ويفهم ويسبر أغوار أحلام نفس إنسان آخر لاواعي، إنسان تخفي أحلامه أيضاً حقيقة ذاته المكبوتة يا لها من مسرحية مضحكة تُعرض يومياً على مسرح الحياة لن يفهمك الطبيب النفسي ولن يبوح لك بما تخفيه ذاتك الأصيلة بل وحتى ذاتك الواهمة التي صنعَتها آلامك وآمالك وأخبرته عنها أحلامك في الواقع سيبوح لك الطبيب النفسي بأحلامه هو، ستكون أنت مرآة تعكس آلامه وما تخفيه أحلامه هو، سيحدّثك عن نفسه لا عنك ستختلف التفسيرات كلما انتقلت من طبيب نفسي إلى آخر، وستتفاجأ. حلمٌ واحد وكل هذه التفسيرات؟ نعم كل هذه التفسيرات لأنهم لا يقولون لك شيئاً عنك، بل عن أنفسهم إنهم يخبروك بحكايتهم. ما الحل إذاً لنتحوّل ونعتدل ويعتدل حالنا المائل؟... الحلّ ليس في الأحلام بل أبعد من عالم الأحلام. الحل في بلوغ حالة من الوعي يكون فيها العقل خالياً من أيّ فكر، من أي حلم ومن أيّ رغبة في حال من الوعي التجاوزي حين تتجاوز أفكارك وأفكارك تحوي أحلامك وأوهامك ورغباتك، حينها أنت تعود من جديد إلى جنّة عدن، للجنة التي وقعت منها وتركتها منذ زمن. الحلّ في خلع أقنعتنا الكثيرة... أقنعة كثيرة صنعت لنا شخصية مهمة وكبيرة... مزيفة لكن من يهتم؟ ما يهمنا أنها كبيرة وفي عيون المجتمع تساوي الكثير... لنخلع الأقنعة واحداً تلو الآخر فنخرج من قيد الشخصية، وندخل في ذاتنا الإلهية الحقيقية لنحيا حياة حقيقية فردية لا حياة شخصية واقعية. الحقيقة هي الحق أما الواقع فهو الحق بعد أن حرّفه المجتمع وعدّله ليتناسب وقوانينه وأحكامه وأعرافه وطريقة حياته وحاله المائل. الحقيقة هي فردية وألوهية كل فرد منّا، والواقع هو شخصية المجتمع وكل شخص فيه. الواقع هو المجتمع وشخصياته يتخفّون خلف الأقنعة والشخصية عند اليونان تعني القناع... فقد كان القناع الذي يرتديه الممثلون في مسرحياتهم يُسمى بالشخصية . يتبــــــــــــع.... |
|
|
|
26-03-2011, 11:41 | رقم المشاركة : 2 | |
|
رد: بين الفكر و الروح
وجوه ووجوه نرتديها مع كل إنسان لتناسب كل إنسان وكل حال وكل ظرف وكل مكان وزمان شخصياتنا إذاً لم تكوّنها سوى وجوه مزيفة وجوهرنا أو ذاتنا الإلهية هي وجهنا الحقيقي دون أيّ قناع... جوهرنا هو الذي أتى معنا، هو ما وُلِد معنا حين وُلِدنا وأتينا إلى هذا العالم جوهرنا هو ما كان معنا في الأرحام، هو هدية الله لنا ونعمته علينا، والشخصية هي هدية المجتمع لنا، هدية المجتمع والأهل والمدرسة والجامعة والحضارة والثقافة. مرّ الزمان على الإنسان وتمسّك بشخصيته ونسى جوهره وألوهيته، ومن عاش حياته غافلاً جوهره ومصدره فقد ضاعت حياته هباءً ضاعت حياته هباءً فدار الحق أو الحياة الحقيقية عمادها وقوامها الجوهر ومن ذهب إليها غافلاً جوهره حاملاً شخصيته وأقنعته فيا لعظمة خسارته وحسرته إن شئتم فلتسمّوا هذا الجوهر بالروح أو الله داخلنا أو أيّ إسم تختاروه فالأسامي والعناوين لا تعني شيئاً لما لا إسم له المهم أن نذكر ونتذكّر أن ملابسنا الخارجية ليست لنا، ولسنا هي... أنّ ملابسنا النفسية والذهنية ليست لنا ولسنا هي... ولابدّ وأن أعود لقصة النبي موسى لأن الرمزيّة والدلالة فيها جميلة تعبّر عن حقيقة حيّة وأبدية حين رأى موسى الله على شكل نار ظهرت له من الشجرة الخضراء دون أن تحترق الشجرة فلم يصدّق ما رأى... ثم سمع صوتاً آتياً من الشجرة يناديه ويقول إخلع نعالك أنت على أرض مقدسة ما هذا الرمز وما هو المعنى؟ المعنى والرمز من هذه الحكاية الجميلة أن الله كالنار وشخصياتنا كالشجرة الله هو النار برداً وسلاماً لن تحرق شخصياتنا وستتركها خضراء زاهية الله يمنحنا مطلق الحرية في أن نحيا حياتنا بشخصياتنا نرتدي أقنعتنا المزيفة الواهية إن أردت أن تكون مزيفاً فما من مانع عند الله فالحرية تعني أنك تملك حق الإختيار في أن تحيا حياة صحيحة أو حياة خاطئة ألوهيتك، جوهرك موجود بداخلك والشخصية أيضاً موجودة فماذا تختار؟ لك حق الخيار... وقد تسأل لماذا لا تحرق نار الألوهية هذه الشخصية؟ لن تحرقها فهذه النار هي كالبرد والسلام وما عليك سوى أن تختار... أن تكون بحاراً وتبحر في أعماق شخصيتك المزيفة أكثر وأكثر أو أن تكون طياراً وتحلّق في سماء ألوهيتك إفعل ما تشاء ولتبتعد عن جوهرك قدر ما تشاء فالله لن يتدخل. الله لن يتدخل لأن حرية الإنسان مطلقة وهنا تكمن كرامة ومجد الإنسان، في حريته المطلقة هنا حرية وكرامة الإنسان، وهنا أيضاً تعاسة وبؤس الإنسان: حريته المطلقة لو كان الإنسان مسيّراً كما الحيوان لما ضلّ الطريق ولما ارتدى أقنعة يملأها النفاق ويزينها البريق البريق الإجتماعي المزيف الذي يلهي ضعاف النفوس. الحيوانات جميعها حقيقية وليست مزيفة الحيوانات حقيقية ولا تعنيها الشخصية وأنا لا أتحدث عن الحيوانات التي تعيش معنا في منازلنا لأنها أصبحت كالإنسان مزيفة ودبلوماسية كالسياسيين تماماً هذا الصوت الذي نادى على موسى قائلاً له إخلع نعالك هو دعوة لخلع الأقنعة والتخلّي عن الشخصية والتعرف على الجوهر والذات الإلهية فهو الآن على أرض مقدسة وكل واحد منّا يمشي على أرض مقدسة إخلع نعالك أي إخلع كل ما يحجب نور جوهرك ويمنعه من أن يسطع في سماءك وهذه هي الثورة، نقطة التحوّل أو ما تسميه الأديان بالتوبة أي العودة، العودة إلى الذات هجر الشخصية والعودة إلى الفردية ووحده الفرد يمكنه أن يتعرّف على نفسه ويعرف الله والحقيقة وأيّ كلام سيُقال عن الحقيقة؟ أي كلمة ستحوي حقيقة الوجود؟ لا فالحقيقة لا يمكن توارثها جيلاً بعد جيل. الحقيقة لا يمكن تدوينها وتلقينها تاريخاً في الكتب والدواوين الحقيقة تُمزج في القلوب، الحقيقة تعرف طريقها وتمشي دربها من قلب إلى قلب كما يمشي النهر دربه ليصب في البحر، فالحقيقة تعرف دربها نحو كهف القلب. هذا ما حدث حين قال أبو بكر أن النبي محمّد مزج علومه في قلبه، من قلب الرسول إلى قلب أبو بكر حقيقة غير التي فهمها وعرفها العرب في ذلك الوقت والحين، حقيقة غير التي يعرفها المشرعون ورجال الدين في هذا الوقت والحين هُم عرفوا القشور، عرفوا الكلمات وأبو بكر عرف الجوهر المكنون، عرف الحقيقة. حقيقتي تحوي تجربتي لكن كلامي لا يحوي حقيقتي ولا يعبّر عن تجربتي أن تستمع لقصتي وحكايتي وتجربتي لا يعني أنك فهمتني إفتح بصيرتك لترى حقيقتك بنفسك وما لم تراها فلن تفقه معناها مهما حدثتك عنها وعن محتواها السيّد المستنير، المعلّم الحقيقي لا يُخبر طالب الهداية بأن الله موجود، بل يساعده ليفتح عينيّ روحه، ليفتح بصيرته ويرى نور الله داخله، عندها يحدث العرفان ويفهم ويعي ويتّقي عندها يعلم ما تعنيه كلمة الله فكيانه قد سكِر بمعناها، بنبضها الحيّ في قلبه وجسده وعظامه. إشرب الماء ولا تطيل النظر إلى الإناء عِش حياتك ومُت وقُم في مماتك وقيامتك فلا أحد سيعيش حياتك عنك ولا أحد سيموت ويقوم بدلاً منك أنظر بعينيك واسمع بأذنيك وامشِ بقدميك وحلّق بجناحيك ولا تنظر حواليك على أمل أن تجد من يسهّل الطريق عليك لن يسهّلها بل سيزيد صعوبتها ستتعثّر وحمولة الأفكار والمعتقدات التي تحملها فوق كتفيك ستُثقِل خطاك وستتعب وسط الطريق وتشعر بالتعب والضيق وتنتهي رحلتك قبل أن تبتدي. هذا ما حدث للبشرية... البشرية تحيا لعنة المعرفة المستعارة... الكل يقرأ تجارب غيره ويحفظ الشرائع والآيات دون أن يقرأ كتابه ويتأمل آياته حتى يلاقي وعيه وعي من نطق بهذه الآيات وجاء بأعمق الكلمات الجميع يرددون يومياً الإنجيل والقرآن والتوراة كالببغاوات دون فهم لأسرار ومعاني ودلالات الكلمات... ليست بكلمات عادية ولن تتمكن من فهمها وأنت في حالة فكرية أو عاطفية أنت بحاجة لقفزة روحية، لوعي يلاقي وعي من جاء بهذه الكلمات الأبعد من حدود الكلمات أنت بحاجة للتعرف على ما في النفوس لتفهم ما بين النصوص. والحقيقة المرّة تبوح بسرّها وتقول بأن جميع هؤلاء ممّن يرددون الإنجيل والقرآن والتوراة لم يختبروا شيئاً مما يقرأوه في شكل كلمات لم يختبروا الحقيقة التي تحويها الكلمات، بل على العكس... تجارب البشر تُظهر عكس ما اختبره الحكماء والأنبياء تجارب البشر تعكس بشاعتها على مرآة الطمع والجشع وعشق المال والمناصب والشهوات والغرائز، ورغم ذلك لانزال نقرأ ونقرأ ونحفظ ونتسابق ونتنافس في دنيا دنيّة وقلوبنا لم تجرؤ بعد على التخلي عن المناصب والمطامع والأحلام الدنيوية.... وحده التأمل يوصلنا إلى الصدق ووحده الصدق كفيل بتوحيد هذه الإزدواجية. أفلح المجتمع في تنويم القطيع المطيع كما فعل صديقنا الساحر بخرافِه لأن الإنسان ارتضى وقنَع بأن يحيا هذا التشفير، لأن الإنسان يريد أن يحيا في وهْم كبير... وهْم الأمل والغد والمستقبل وما تخبأه له الأيام... الإنسان بحاجة إلى الأحلام ليستمرّ في عيش المنام... الإنسان غير مستعدّ بعد لمواجهة الحقيقة عارية كما هي، ونيتشيه كان على حق حين قال بأن الإنسان عاجز عن مواجهة الحقيقة. عقل الإنسان يحتاج للأكاذيب والأباطيل والأساطير ليتغذى عليها ويحيا بها ومعها فلا مواجهة بين عقل وحق، بين فكر وحقيقة... لم تحدث هذه المواجهة أبداً على مرّ الزمان ولن تحدث... إما غياب العقل وحضور الحقيقة وإما غياب الحق والحقيقة وحضور الأكاذيب والحجج والبراهين فهي للعقل خليلة وصديقة. أنت لا تحلم وأنت نائم فقط... أنت لا ترسم عالماً من وحي أفكارك وخيالاتك وأنت نائم فقط... أنت في هذا الحال وأنت صاحٍ تقابل البشر وتستمع لهم وتتكلم معهم... تسمع وتتكلم وتحاول أن تفهم، تسمع وتتكلم وتحاول أن تتواصل مع الآخر وفي ذات الوقت عقلك يتحدث ويتكلم ويتخيّل ويتوقّع ويتصوّر... وأين نحن من الوصل والوصال والتواصل؟ هل نسمع بعضنا حقاً؟ هل تصل أصواتنا لتخترق قلوبنا أم أنها لا تتجاوز آذاننا؟ لا.. لا أحد يسمع أحد ولا أحد يفهم على أحد وهذا هو حوار وحياة الطرشان... كلٌّ يحيا في جزيرة منعزلة ولا يسمع إلا ما يريد سماعه ولا يفهم إلا ما يتوافق وخيالاته وتصوّراته أفلح المجتمع في تنويم الإنسان فالأمل قوام هذا التنويم... أصحاب الأمر والنهي حوّلوا هذه اللحظة، حوّلوا اليوم إلى جحيم... سعي خلف المال ومسؤولية العيال ومجاملة ومسايرة ونفاق المجتمع والبحث عن طرق لإهدار طاقة كبتها المجتمع حين كبَت الجنس والحب والتعبير عن الإحساس والنّفْس، فلم يبقَ للإنسان سوى الأمل العقيم بغدٍ أفضل... وأصبحنا نحيا الحياة لأجل عيون هذا الغد الذي لم ولن يأتِ أبداً. حين يأتي الغد سينزع عنه إسمه ويطلق على نفسه إسم اليوم... لن تقابل الغد فأنت لم تقابله قط ولا زلت تأمل بأن يتمّ اللقاء؟ ستقابله وهو يرتدي قناع اليوم فأنت لا تلتقي إلا هذا اليوم وهذه اللحظة، لكنك مصرّ على التخلي عنها وأن تلقي عليها اللوم... فهي الجحيم والملل والضجر، والأمل هو الحلم الذي يتغذى عليه عقلك فيسقيك الوهم من كأسه وتتجرّع الخيال كؤوساً لا حصر لها ولا عدّ فتسْكر وتنسى اليوم في انتظار الغد... أغداً ألقاك أيها الغد؟ أغداً ألقاك أيها الحلم والوهم والمال والجنة والراحة والأمان؟ هذا السؤال أصبح شبحاً يطارد كل إنسان... أغداً ألقاك فقد طال الإنتظار وعَزّ اللقاء أغداً ألقاك ويا خوف الجميع من هذا الغد وهذا اللقاء... لكنه يأتي بإسم اليوم لا الغد ومن جديد يستمر العقل باللعبة العقيمة وتعود ريما لعادتها القديمة فتبني جسور الأمل مع غد آخر وحلم جديد في الأفق يلوح بانتظار غد بأحلامنا وأوهامنا يتكلم ويبوح. لا يمكن للعقل أن يعرف معنى التدين وأسراره... لا يمكنه أن يفقه خوافيه ويعي معانيه فالتدين هو التأمل والتأمل هو درب يسير عليه كل طالب حق أراد مواجهة الحقيقة وجهاً لوجه الآن وهنا الآن وهنا بعقل صافٍ من كل حلم، خالٍ من أيّ رغبة وأمل في الغد المنتظر... التدين يعني أنك الآن مستعدّ لأن تكون كما أنت، لأن تواجه الحقيقة كما هي لا كما تريدها أنت، لأن تواجه الحقيقة وتتخلّى عن الأمل والوهْم والحلْم الباحث عن التدين الحق ليس بحاجة لأي معتقد من أيّ نوع... الدين واحد... دين الفطرة والوجود منزوع الألقاب وخالي من الصفات والأسماء، لكن المعتقدات كثيرة تاه البشر بين أساميها وضلوا في ساحة معانيها وتشعُّب صفاتها ومراميها الدين واحد فلا فرق بين الإسلام والمسيحية والبوذية والهندوسية، إنما الفرق في المعتقدات فكلّ فريق له رغباته وأحلامه الوردية الفرق في المعتقدات لكن الباحث عن التدين لا شأن له بالمعتقدات... الباحث عن التدين لا يأخذ من الحقيقة موقفاً ويضع لها شكلاً فهو لا يعرفها أصلاً... هو يمشي رحلته ليتعرّف عليها فكيف له أن يعتدي عليها ويتصوّر حالها وأحوالها ويضع لها نظاماً وتفسيراً؟ الباحث عن التدين بعيد عن أي معتقد وبعيد عن أي نكران فالنكران من جديد هو نوع من المعتقدات... بإمكانك أن تصرّح وتقول بأن الله موجود وأنك تعتقد بوجوده دون أن تكون قد اختبرت أي شيء في حضرته وأبديته وخلوده، وبإمكانك أن تنكر وجوده دون أن تكون قد اختبرت وتأكدت بأنه غير موجود... ما الفرق بين الموقفين؟ لا فرق بين الإثنين فكلاهما في الرأس معتقديْن... حقاً لا فرق في أيامنا هذه بين المؤمنين والملحدين فكلاهما يؤمن بشيء وإيمانه ليس سوى معتقد وفكرة زرعها في رأسه لأنها تناسب حاجته وخياله ورغبات عقله... المؤمن يؤمن بأن الله موجود والملحد يؤمن بأن الله غير موجود، وسلام على تجربة وشهادة الروح فهل من مكان لها وسط زحام الأفكار والمعتقدات؟... لن يغيّر المعتقد صاحبه فهو كالثياب يرتديها صاحبها لكنه يبقى كما هو، لن يحوِّله ويرقّيه ويزكّيه وبين مقامات الوعي وسماوات الوجود يرتفع ويحلّق به ويُعَلّيه وحدها التجربة تحوّل صاحبها لا بإرادة منه أو رغبة يطلبها فتلبّيه... لا... التجربة تحوّل صاحبها بإرادتها وحضرتها فترفعه إلى عالمها ومكوِّنها ومن كأس الأسرار تسقيه وترويه... التأمل صعب وتأمل ساعة خير من عبادة سبعين عام لذا يهرب الجميع منه ويسعى إلى الفرار على الدوام... التأمل صعب لأنك به ومعه تقترب من الحقيقة وجودياً من خلال التجربة لا فكرياً من خلال الإعتقاد أن تقترب من الحقيقة وجودياً يعني حتميّة التجربة والتجربة الروحية خطيرة... التجربة الروحية ستغيّرك وتحوِّلك، ستُميتك كما أرادك المجتمع وتُحييك كما أراد لك الوجود أن تكون... كما قدَّرت المشيئة الإلهية لك أن تكون وتحيا أسرار لبّ الكون المكنون التجربة الروحية ستُبدِّل آرائك وتحطّم أفكارك وتمسَح خيالاتك وتصوّراتك وتوقّعاتك وتُعلن إفلاس أحلامك التجربة الروحية ستُزيل أيّ عائق بينك وبين الحقيقة... ستزيلك كما أنت: فكر ووهْم وحلم، فلا يبقى سوى الخاشع فيك أمام حضرة الحقيقة الإلهية النورانية الكونية. التأمل... التديّن الحقيقي هو موت وقيامة ليس فلسفة ومرة أخرى هو ليس بمعتقَد... لا يمكنك أن تفكّر فيه... أنت تُحيي الفكرة في رأسك لأنك تغذّيها بخيالاتك وتصوّراتك وأبحاثك، أما التديّن فيُحييك ولا تُحييه الفكر يدور في رأسك كدوامة مفرغة يصدر عنها كثير من الضجيج... والضجيج غير الحجيج... الحجّ غير الضجّ... الرأس يعرف الضجيج أما القلب فيعرف الحج والقلب هو كهفك ولبَّك وباب كيانك... لبّيك اللهم لبّيك... أنت تلبي دعوة القلب لتدخل كهفه وغاره وتتعرّف على نفسك إستعداداً لملاقاة الحقيقة وجهاً لوجه القلب أصلك وجذورك، فيه تموت بذورك لتنمو وتحيا روحك عالية شاهقة واعية أما الرأس فمجرد فرع من الفروع... الرأس غريب عن الأصول والجذور... الرأس يحاوِر ويتبع المنطق والحقيقة لا تحاوِر فلا وجود للآخَر معك، لا وجود لشخص معك فمَن سوف تحاوِر؟ في الحقيقة لن تكون موجوداً فالخشوع يعني غياب ذات الخاشع في حضرة الألوهية الأبدية فمَن الذي سيُحاوِر؟ ومن الذي سيتبَع المنطق؟ بالحقيقة لن تستطيع أن تنطق ووحده من تاه في غابات رأسه وبين أشواك فلسفاته وأفكاره ومعتقداته هو في الحوار بارع وماهر... ما حاورت جاهلاً إلا وغلبني وما حاورتُ عالماً إلا وغلبْته. ولا بدّ لنا من معرفة الفرق بين الإعتقاد والإيمان، فكلاهما عن بعضهما يختلفان ولا يلتقيان. الإعتقاد فكرة ومفهوم في الرأس وكل المفاهيم أوهام ونظريات من اختراع وافتعال الإنسان أم الإيمان فحميمية وصداقة وراحة وألفة بينك وبين الوجود أو بينك وبين النبي والحكيم والمستنير أنت لا تؤمن بمفهوم، أنت تؤمن بصادقٍ أمين ترتاح في حضرته، وتحت واحة ظلال محبّته ورحمته يهنأ قلبك ويستكين. المعتقد فكري نابع من العادة وجميعنا ضلّ طريقه حين جعل الإعتقاد صديقه أنت تعتقد بالمسيحية أو بالإسلام، لكنك لا تؤمن الإيمان الحق، لا تثق... فلا حميمية بينك وبين المسيح أو النبي طبعاً جميعنا يُطلق لقب وكلمة إيمان على اعتقاده لكن شتّان ما بين الإثنان أنت تعتقد بالمسيحية أو الإسلام فقد وُلِدتَ وأتيت إلى الحياة لتجِد نفسك صدفة في عائلة مسيحية أو مسلمة ولا دخل لك في هذا. وقد أخبرك من حولك بأنك مسيحي أو مسلم وشربْتَ من كأس تعاليمهم ومفاهيمهم ونظرياتهم وفلسفاتهم فدخلَت في دمائك وعظامك وأصبحَت جزءً من حياتك بعد أن شرِبَها لاوعيَك وتذوّقها... لكن هذا المعتقد لا روح فيه ولا حياة، لكن ولادته فيك أشبه بلحظة الممات لأنه لم يُحوِّلك ويُحقق لك قدَرك ولم تكتشف معه ألوهيّتك ومجدَك المعتقد يُستعار من الجار لكن الإيمان لا يُستعار أيها الجار في هذا الدار. مَن هُم الصحابة وآل بيت الرسول؟... إنهم الجماعة الأولى التي آمنت بالنبي محمّد... وما معنى آمنَت؟ وثقَت وصدّقت بعد أن شاهدَت بنفسها واختبَرَت عاشوا معه وشربوا من كأس أبديته وشاهدوا أنواره ورحمته وفهموا بعد أن تشرّبوا حكمته هُم المؤمنين الحقيقيين لا المسلمين الذين اعتقدوا بالنبي، لا أشباه المؤمنين المُقلِّدين في زماننا وأيامنا. لو كانت الحقيقة إرثاً لملأ التدين عالمنا كلّه، لكنها ليست بإرث... لن ترِث الحقيقة من عائلتك ولا أجدادك ولا رجال دينك فهي ليست ملْكهم... أملاكنا من هذه الأرض والحقيقة لا تنتمي لهذه الأرض الحقيقة ليست من هذا العالم لذا فلا أحد يملُكها ولا أحد يرِثها الحقيقة نتاج بحث فردي ورحلة فردية تمشيها وحدَك فتُعاني وتتعَب وعن المعلِّم الحقيقي تبحث وتُخدَع، وعندما تنضج وتصبح حاضراً تلتقي المعلِّم الحقيقي حين يظهَر... الحقيقة هي ثمرة جهاد النّفْس وجهاد النفْس هو أكبر الجهاد. ليس طريق التدين لمَن لا تزال رايات رغباته وآماله في هذا العالم ترفرف على شرُفات قصور بالوهْم بناها عقله... فرغبات هذا الإنسان تخلق عالمه الذي يحيا فيه، وآماله تصنع القيد الذي يلتفّ حول يديه ويُدمي معصميْه وهو يظنّ نفسه حرّاً لأنه ينتخب ويصوّت لمن صوّرَت له رغباته أنه الأجدر بالتصويت فقد وجدَت حاجاتها ومصالحها معه. ليس التدين لصاحب الرغبات والآمال فالتدين يعني كُن هنا والآن وسوف تكون إن لم تكُن رغباتك تحاصرك وآمالك تقيّدك فتدفعك وعن صمت حضرة هذه اللحظة تُبعِدك وفي المستقبل ترميك حيث وجَعَك ورغبتك وأملَك وغُربَتك ووَحْشَتَك... نعم غربتك ووَحْشتك فلا أُنس إلا بالله، راحتي يا إخوتي في خلوتي وحبيبي دائماً في حضرتي... هذه الحضرة هي هنا والآن لا في وقت آخر من الزمان. عندما تُغلِق مدائن الآمال والرغبات والأحلام أبوابها، تصبح لحظتك هنا والآن وحدَها، وأنت معها هذه هي الخلوة التي تصل بنا إلى الجلوة... عندها بإمكانك أن تحيا هذه اللحظة بصمْتها وسكينتها وراحتها دون أي حلم أو أمل بحلم أكبر يُقلق راحتك وراحتها ويكدّر صفوَ عقلك وصفوَها ويحملك بعيداً عنها. الآن هو وقت التأمل وبداية الرحلة على درب التديّن. |
|
|
مواقع النشر |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 زائر) | |
أدوات الموضوع | |
|
|