فرأى بينهما حاجزا وفي البحر المالح جبلا من ذهب وفي العذب جبلا من فضة وبينهما ملك على صورة النملة ومعه ملائكة على تلك الصورة , فسلم عليهم بلوقيا , فردوا عليه السلام, وقالوا: من أنت؟ فأخبرهم بقصته, ثم قال لهم بلوقيا من أنتم : قالو نحن أمناء الله على هذين البحرين لا يلتقيان ولا يبغيان ، فقال لهم بلوقيا: ما هذا الجبل الأحمر ؟ قالو هذا كنز الله في الأرض فكل ذهب يظهر في الأرض من هذا الجبل الأحمر وكل ماء في الدنيا من ماء عذب أو ملح انما هو من ماء هذين البحرين و ماؤهما انما يجئ من تحت العرش من قبل أن يخلق الله الملائكة و الجبل الأبيض من فضة و هو كنز الله ، وكل فضة في الدنيا ومعدن من فضة فمن عروق هذا الجبل، ثم سلم بلوقيا ومضى حتى انتهى الى بحر عظيم ، فاذا هو بحيتان كثيرة عظيمة قد اجتمعت وحوت عظيم يقظي بين الحيتان . فلما نظر الى بلوقيا. قال : لااله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال : فسلم عليه بلوقيا ، ثم قال له من أنت فأخبره بحاله وأنه خرج يطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرد عليه السلام، ثم قال له : يا بلوقيا ان لقيت محمدا فأقرئه مني السلام , فقال بلوقيا: نعم ان شاء الله تعالى, ثم انه قال : ايتها الحيتان اني جائع عطشان وماء هذا البحر مالح وما أجدما آكل وما أشرب. قال الحوت الأعظم: يابلوقيا سأطعمك طعاما اذاأكلته تسير أربعين سنة لاتعيا ولاتنام ولاتجوع ولاتعطش, فأطعمه ذلك الحوت قرصا أبيضا فأكله ومضى حتى بلغ العمران , ومن قبل ان يبلغه رأى شابا يجري على الماء كأنه البدر, فقال له بلوقيا: من أنت؟ فقال: سل الذي خلفي فسار بلوقيا يوما وليلة فاذا هو بآخر يمر على الماء ضوؤه كضوء القمر فقال له : من أنت؟ قال : سل الذي خلفي, فسار بلوقيا يوما وليلة فاذا هو بثالث كأنه القمر يلوح في آخر الشمس, فقال له : انشدك الله الا ماوقفت علي , فوقف, فقال لبلوقيا : لماذا تستحلفني؟ قال: خشيت ان تفوتني كما صدر من أصحابك الماضين, ثم قال له: من كان الأول؟ قال: اسرافيل صاحب الصور. والثاني ميكائيل صاحب المطر وأرزاق العباد. والثالث جبريل أمين الله تعالى. فقال له: فماذا تصنعون في هذا اليم؟ قال: حية من حيات البحر قد آذت سكانه فدعوا عليها فاستجاب الله دعاءهم وانا أمرنا ان نسوقها الى جهنم ليعذب الله بها الكفار يوم القيامة. قال بلوقيا: كم طولها وكم عرضها؟ قال : طولها مسيرة ثلاثين سنة وعرضها مسيرة عشرين سنة, فقال بلوقيا: أيكون في جهنم مثل هذه الحية أو أكبر منها؟ قال: نعم ان في جهنم من الحيات ماتدخل هذه الحية في أنف احداهن ولا تشعر بها! وتخرج من فيها ولا تشعر من عظم خلقها, فسلم بلوقيا ومضى الى جزيرة اخرى, فاذا هو بغلام أبيض أمرد بين قبرين فسلم عليه , وقال له: ياشاب من أنت وما اسمك ؟ قال: اسمي صالح , قال : فما هذان القبران ؟ قال: أحدهما قبر أبي والآخر قبر أمي , وكانا صالحين, فماتا هنا وأنا عند قبرهما حتى أموت, فسلم عليه بلوقيا ومضى حتى انتهى الى جزيرة , فاذا هو بشجرة عظيمة عليها طائر واقف رأسه من ذهب وعيناه من ياقوت ومنقاره من لؤلؤ ويداه من زعفران وقوائمه من زمرد واذا مائدة موضوعة تحت الشجرة وعليها طعام وحوت مشوي فسلم عليه بلوقيا فرد الطائر عليه , فقال له بلوقيا: من انت أيها الطائر؟ قال : انا من طيور الجنة وان الله قد بعثني الى آدم بهذه المائدة لما أهبط من الجنة واني كنت معه حين لقي حواء واباح الله له الأكل وأنا ههنا من لدن ذلك الوقت فكل غريب وعابر سبيل من عباد الله الصالحين يمر بها يأكل منها وانا أمين الله عليها ليوم القيامة, فقال بلوقنيا: ولاتتغير ولاتنقص؟ قال: طعام الجنة لايتغير ولاينقص, قال بلوقيا: أفآكل منها ؟ قال: كل , فأكل حاجته ثم قال له: أيها الطائر وهل معك أحد ؟ فقال: معي أبو العباس,يأتيني أحيانا, قال: ومن أبو العباس؟ قال: الخضر عليه السلام, فلما ذكر الخضر اذا به أقبل وعليه ثياب بيض, فما خطا خطوة الا ونبت الحشيش تحت قدميه. فسلم على بلوقيا وسأله عن حاله ، فقال بلوقيا: طالت غيبتي وأريد الرجوع الى أمي. فقال الخضر: بينك وبين أمك مسيرة خمسمائة عام وأنا أردك اليها في مسيرة خمسمائة شهر، فقال الطائر: ان كان بينك وبينها مسيرة خمسمائة سنة فأنا أردك اليها في مسيرة خمسمائة يوم، فقال الخضرعليه السلام: فأنا أردك اليها في ساعة واحدة . ثم قال: غمض عينك فغمضها ثم قال : له افتح عينك ففتحها فاذا هو جالس عند أمه فسألها من جاء بي اليك قالت: طير أبيض يطير بك بين السماء والأرض فوضعك قدامي ثم ان بلوقيا حدث بني اسرائيل بما رأى من العجائب والأخبار فأثبتوها و كتبوها الى يومنا هذا فهذا ما كان من حديث بلوقيا وما رأى من العجائب في البحر و البر سهلا وجبلا والله أعلم.