(الحلقة 10)
 " أبو جعفر"
 
 كيف افسر ما حدث ؟ لا يمكن ان يكون الشيخ موسى ساحراً  أو مشعوذاً و هو يصلي و ليس فيه صفات السحرة التي نعرفها جميعاً . فهل هو  من أولياء الله الصالحين رغم ان كراماته تخل بالعقيدة ؟ ففيها النفحات و هي  علم غيب و غيرها من الأمور التي لا ترضي الله، إستغفر الله .
 هذا السؤال و غيره من الحقائق التي اكتشفتها عوضتني عن كل خسائرى .
 دخل علينا الشيخ موسى و قال، إسمع يا إبني ، انت قررت السفر و انا اردت ان  اريك بأن من ارسلك اختار لك المكان الصحيح ، و ان الخوارق إما معجزات  للانبياء او كرامات للصالحين بعون من الله ، او سحر و شعوذة بعون من  الشيطان و اتباعه ، و لك الاختيار ، ثم قال و كأنه علم بما في نفسي .
 اعلم ان الكرامات يسبقها الايمان و الإخلاص و يتبعها العلم و الخلاص ، ثم  قال ان وجدت في نفسك الميل للايمان و الاخلاص بالصبر فعد الينا ، فإما ان  تجدني و اما ان يسخر الله لك من هو احسن مني المهم ان تكون صادقاً . 
 قررت السفر الى السعودية لترتيب بعض اموري و العودة في اقرب فرصة ، غادرت  القرية و قد أصبح لي فيها اصدقاء و احباب اجتمعوا لوداعي ، و تأخر الشيخ  موسى ليكون اخر من يودعني ، و عندما حضنني اصبت بنوبة بكاء ، شاركني فيها  اغلب الحضور ، اقترب الشيخ موسى من اذني و همس قائلاً ، سوف تعود قريباً  بأذن الله و لا تشغل بالك ، فهنا لن ينقصك شيء (المأكل و المشرب و السكن و  الزوجة ايضاً ان رغبت في ذلك) .
 لا انكر انني احببتهم جميعاً ، و  لكن الشيخ موسى اخذ في قلبي الحيز الاكبر ، وصلت الى جدة و انا محمّل بكثير  من الذكريات عن هذه الرحلة ، مرت ايام و أسابيع ليس لي حديث سوى عن الشيخ  موسى ، و كل ما أجد سوداني اختلق حجة للحوار معه ، و بدون ان يشعر احول  الحوار الى الحديث عن القرية و أهلها ، و عن الشيخ موسى الذي وجدت ان اناس  كثيرين يعرفونه و يشككون في مقابلتي له ، نظراً لمكانته الدينية و لوقته  الذي لا يصرفه الا في العبادة و حل مشاكل الناس .
 و في المقابل  قابلت اناس شككو في الشيخ موسى و أقسم بعضهم ان الشيخ موسى ليس إلا مشعوذ  من الدرجة الاولى ، لذا زودني بعض الافارقة بعناوين بعض السحرة في السودان و  تشاد ، كما ان (إدريس فلاتة) الذي أحضره لي صديقي عادل اعطاني عنوان شخص  اسمة (ابو جعفر) تشادي مسلم يتحدث العربية و قال لى قابله قبل ان تقابل  صديقك موسى و سوف يختصر عليك مسافة كبيرة .
 و بعد ان زاد في قلبي  الشوق للقرية و للشيخ محمد و الشيخ موسى ، قررت السفر اليهم ، فبعت سيارتي و  بيتي في حي الجامعة ، بهدف الهجرة الى السودان و البقاء فيه حتى اصل لهدفي  مهما كانت المدة ، سنة سنتين عشرة ، لن اتراجع حتى اعرف حقيقة الجن ، هذا  العالم المجهول الذي نسجت حوله كثيرا من القدرات الخارقة .
 و هذا  ما حدث ، بعت السيارة و البيت و خلال أقل من ثلاثة اشهر ، عدت الى السودان  محملاً بالهدايا (مصاحف و مسابح و ماء زمزم و بعض الملابس البسيطة) ، و كنت  في غاية الفرح عندما وصلت الى القرية . أقام لي السكان وليمة اجتمع فيها  كل أهل القرية عدى الشيخ موسى ، الذي علمت انه في خلوة و لن أستطيع مقابلته  قبل عدة ايام ، مرت تلك الأيام بطيئة فقد كنت في شوق لمقابلة الشيخ موسى و  كأنه أبي ، و أخيراً تم هذا اللقاء في مسجد القرية حيث سلمت الهدايا للشيخ  موسى ليوزعها على من يرى و قد وزعها و لم يترك لنفسة شيء (بدأت اشك أنه من  اولياء الله الصالحين رغم أن بعض أفعاله تخالف العقيدة ) ، و لكن ربما  لأنني احببته كنت اتغافل عن بعض الاشياء .
 قضيت اكثر من شهر برفقة  الشيخ موسى و لاحظت انه عبارة عن مجموعة من المتناقضات ، فهو يحفظ القران  الكريم كاملاً و الكثير من الاحاديث و الروايات و يحضر للمسجد قبل الصلاة  بوقت كافي و يبقى بعد الصلاة يحدث الناس و يحل مشاكل بعضهم .
 و في  نفس الوقت يقول بأنه ليس مكلّف بالعبادة ، و أن الله رفعها عنه و أنما هو  يفعلها تطوعاً ، لذا فإنه احياناً لا يصلي ، و يدّعي أنه في حضرة الله  (إستغفر الله ) كما أنه يدّعي بعضاً من علم الغيب و أنه يجلس مع الرسول  عليه أفضل الصلاة و السلام .
 بعد وقت ليس بطويل غادرت القرية  متجها الى تشاد ، أو بالاصح لضواحي (أدري) ، لملاقاة الساحر (أبو جعفر) ، و  قد أبدى استعداده من اول لقاء لي معه على تعليمي الخطوات الأولى للسحر  خلال 3 اشهر ، كما أنه سيأمن لي المسكن و المأكل و الخدمة و أنا أكمل  الباقي ، و اكد لي ان الموضوع ليس سهل و يعتمد علىّ بالدرجة الاولى ، و كل  ذلك مقابل (700) ريال في الشهر . فوافقت دون تردد ، بشرط ان يريني ما يثبت  انه ساحر ( فما كان منه الا ان ادخلنا الى منزله و هو عبارة عن عشة مغطاة  بسعف النخيل ، و اخذ يردد عبارات فامتلأ المكان بالفئران . كانت تخرج من كل  مكان ، ثم قال سأريك شيء اخر و كان لديه خزان ماء فرفع الغطاء و تركه فبقي  معلق في الهواء . ثم اخذ يرفع الماء من الخزان بوعاء صغير فكان الماء يخرج  في كل مرة بلون مختلف ، قلت هذا يكفي .
 و قررت البقاء و التعلم  من (أبو جعفر) اساسيات السحر ، فحدد لي غرفة صغيرة قريبة من مسكنه مبنية من  اغصان الشجر و مكسيّة بسعف النخيل و قال هذه صومعتك فإما تخرج منها ساحر و  إما ان تفقد عقلك . 
 فقلت له و هل أستطيع ان اصلي ؟ فقال جملة  سيكون لها اثر كبير في مسيرتي في هذا الطريق ، قال (إفعل ما تشاء فالدين  ليس له علاقة بما سوف تتعلم) .
 و قال سوف نبدأ بالقراءة ، القراءة  فقط ، ثم فتح صندوق عنده و أخرج لى كتاباً قديماً اسمه (العزيف) ، و إسم  كاتبه (الحضرد) مكتوب بخط اليد ، و قال يومياً تقرأ منة 10 صفحات و أنا معك  ثم سأتركك لتقرأ وحدك الى ان أعود اليك ، فقلت موافق . 
 بدأنا  القراءة ثاني يوم في صومعتي ، كانت القرية بعد صلاة العشاء تكتسي بالظلام  فيحل عليها سكون مخيف لدرجة انك قد تعتقد انها قرية اشباح فلا صوت و لا نور  الا بعض الاضاءة البسيطة هنا و هنك على مسافات متباعدة ، و كنا نشعل  شمعتين و اجلس انا في احدى الزوايا كما أمرني ، و هو في الزاوية المقابلة و  أبدأ بالقراءة و هو يستمع الي .
 كانت الصفحات الاولى من الكتاب  تتحدث عن القبور و الموتى و كيف يمكن ان تلتقي أرواح الموتى معنا (أصبت  بالرعب من الصفحة الأولى ، فكيف بقية الكتاب) ؟ أكملت الصفحات العشر بينما  هو مشغول بالمسبحة يردد كلاما غير مفهوم ، و عندما رفعت رأسي لارى ان كان  سيذهب كما قال ، فلم اجده ! ..
 إختفى دون ان يترك اثر أو يحدث  صوت ، (استطيع ان اقول انني اصبت بحالة خوف لم اشهدها من قبل رغم كل  تجاربي) ، حاولت ان أغادر الغرفة فلم استطع حاولت ان أصرخ فلم استطع ، (  فتكومت في زاويتي ابكي من الخوف) .
 و رغم هذه الظروف الصعبة واصلت  القراءة ، و كان (أبو جعفر) يأتي و يختفي و لم أعد أهتم لذلك و لا اخاف من  حدوثة ، اكملنا الكتاب و بدأنا في غيره ، و توالت الكتب ، فقضيت في تلك  الغرفة اكثر من (7 اشهر) قرأت و شاهدت و سمعت مالم يكن ليدور في ذهني في  يوم من الايام ! ...
 و خرجت من تلك الغرفة بلا قلب فلم يعرف بعدها  الخوف طريقه الى نفسي ، و خلال بقائي تلك الفترة و التي تلتها رأيت من ذلك  الرجل قسوة لم ارها من اي انسان ، و لكن النتيجة كانت مذهلة ، و في فترة  بسيطة لم تتجاوز السنة و النصف استطعت ان اتعلم جزء كبير من علم (السيمياء)  و (الحرف) و (الأرقام) و (النجوم) و (الرمل) .
 في الحلقة القادمة   ، سأفصّل فترة السبعة أشهر التي قضيتها في تلك الغرفة ، و ما  رأيتة فيها و سمعته و هو شىء يفوق الخيال ، أشكركم مقدماً على المتابعة و  التواصل .. 
 _____________________
 *  و بدورى أستأذنكم للتوقف هنا لهذا اليوم ، أتمنى أن يكون بلغ بكم التشويق مبلغاً للمتابعة و المواصلة ..