"أم الصبيان"
  
    هدأ الشيخ ثم فتح باب الغرفة ، و اذا بأكوام من الدولارات تندفع الى  الخارج (منظر مهما كنت دقيق في وصفه فلن اصورهـ كما رأيتة ابداً) ....
 سمعت صوت من داخل الغرفة و لكنه غير واضح ، فقال لي الشيخ اقترب ، فخفت ان  اقترب و ارى صاحب الصوت ، و لكني انصياعا لطلبه اقتربت فرأيت الغرفة تكاد  تكون مليئة بالدولارات . فقال الشيخ اجلس امامي ، فجلست . فقال هل تعلم  انني اول مرة ارى مبلغ بهذا الحجم ؟ و  الملك يقول انه يريد نجمك مقابل هذا المبلغ ، ارتبكت و قلت له و ماذا سيحدث  لي ؟ قال لن يحدث لك شيء ، فأنت لا تحتاج هذا النجم ! ثم سألني (هل انت  تعتمد على الله ام على النجم) ؟ .. 
  قلت انني اعتمد على (الله) ،  قال اذا لا حاجة لك بهذا النجم . قلت اذا كان هذا لا يسبب لي مشاكل فأنا  موافق ، فقام الشيخ و دفع الفلوس للداخل و اغلق باب الغرفة و اضاء الانوار ،  ثم احتضنني و احتضن عبدالله و قال لنا انني بعد هذا اليوم لن اعمل في هذه  الشغلة فلن نحتاج مالا بعد اليوم فاحتضنت عبدالله و كدنا نطير من الفرح . 
 ثم اخذ الشيخ يخبرني عن حصة كلا منا و كانت كالتالي 5% صدقات يجب ان  اخرجها بنفسي ، و 15%  لعبدالله ، و 40% لي انا ، و 40% للشيخ . فسأله  عبدالله عن اجمالي المبلغ فقال انه يتجاوز (500مليون دولار) .
 غبت  عنهم لدقائق افكر في هذا المبلغ المهول و كيف سأتصرف به ، اخذتني الافكار  الى القرية و كيف انني سأشتري البيوت التي تحيط ببيتنا القديم ثم ابني  مكانة قصر كبير و في زاوية منه مسجد صغير (القصر الذي لو حصل و بنيته سيكون  فاضي لاني لن اعيش في القرية و رغم ذلك فهو كبير و المسجد الذي قد يستفيد  منه الناس في الزاوية صغير لا حول و لا قوة الا بالله ).
 كما فكرت  في مزرعتنا كيف انني سأشتري كل المزارع التي حولها و أزرع فيها كل انواع  الفواكه و الاشجار و أجلب لها كل الطيور و احولها جنة فوق الارض ، و قصر في  جدة و أخر في الرياض و ثاني في الطائف و ثالث في الدمام و طيارة خاصة ،  الغداء في بلد و العشاء في اخر ، قطع هذا الخيال الجميل صوت الشيخ و هو  يستأذن للانصراف .
(كان مع الشيخ بي ام دبليو و سائق خاص) ، و طلب  منا المبيت في الشقة و عدم فتح باب الغرفة التي فيها الفلوس حتى يعود  الينا ، و عدم فتح باب الشقة الا له أو لسائقه الذي سوف يحضر لنا الاكل وكل  ما نطلب .
 مر يومين و انا و عبدالله في الشقة و السائق يخدما و  كان كل حديثنا عن احلام المستقبل التي سوف نحققها بل سنحقق اضعاف اضعاف ما  كنا نحلم ، (اكتب هذا الان و انا اضحك لاني افتكر عبدالله و هو يصر على ان  ازوره ، و كنت اعتذر منه لاني سوف اكون مشغول بإدارة اموالي ، كانت من اجمل  الايام حينها).
 اخيرا وصل شيخنا (الشيخ نور البحار ادم حفظه  الله) ، و كان الوقت بعد صلاة العشاء و كان قد احضر العشاء معه ، فتعشينا  معا و بعد العشاء قال الشيخ انا اجلت الكلام بعد العشاء حتى لا تنزعجوا فلا  تأكلوا ، فقلنا ماذا حدث ؟ فقال اتاني ملك البحار البارحة و اخبرني بأن  نجمك تحيط به العديد من قبائل الجن و منهم ملوك سفليين و مردة و يجب عليك  حرقهم اولا ثم نسلمه النجم ، (لم افهم شيء) فقلت بكل بساطة نقرا عليهم قران  و نحرقم قال احسنت . و لكن عشان نحرق كل هذا العدد المهول فقد نحتاج الى  سنين نقرأ فيها القران ، اصبت بخيبة امل و لكنه التفت الى عبدالله و قال له  هل تستطيع ان تجد لنا (10جرام ولدن ازرق) ؟ فقال عبدالله سوف اسأل و ان  شاء الله سوف اجد .
 فسألت الشيخ ما هو (الولدن الازرق) ؟ فقال انه  سائل كرستالي لونه ازرق شفاف يقتل الجن السفلي في دقائق مهما كان عدده .  فقلت لعبدالله لابد ان تتصرف و قلت للشيخ ان شاء الله بكرة نتصرف ، و لم  ننم انا و عبدالله تلك الليلة . و من الصباح الباكر خرجنا لنبدأ رحلة البحث  عن (الولدن) و كان عبدالله يتركني انتظره بالساعات في السيارة بينما يذهب  هو للقاء اناس يسألهم عن (الولدن) . و كان يرفض ان ارافقه بحجة انني ابن  البلد و الاجانب يخافوا مني لان هذه الاشياء ممنوعة و لا يجلبها الا كبارات  البلد او بعض الافارقة الذين يعملون في القصور .
 استمر الحال  اكثر من اسبوع و اصبت باليأس من وجود الولدن ، و لكن اخيرا قيل لنا يوجد  (ولدن اخضر) ، فقلنا للشيخ فقال اذا كان اخضر فسوف نحتاج (50جرام على  الاقل) . شعرت بسعادة فقد اقترب الفرج ، ذهبنا لمقابلة صاحب الولدن و اسمه  خليل ، فقال لنا ان الولدن ليس لديه و لكنه لدى شخص كيني (دبلماسي) . اسمه  على ما اظن (نودونجو) ، يعمل في الرياض . فقلت نسافر له الرياض ، فقال لا ،  هو يحضر و معه عينة و انت هنا تدفع ( 10 آلآف) ، اذا اتفقتم تخصم من  القيمة و اذا اختلفتم تروح عليك الفلوس اما اذا طلع ما عنده ولدن تعود  فلوسك و يتحمل هو خسائر التذاكر و السكن .
 رأيت انه حكم منصف ،  فقلت اطلب منه الحضور و انا احضر لك الفلوس بعد قليل ، و فعلا سلمته الفلوس  و انتظرت اكثر من اسبوع و خليل كل يوم يقول غدا ، و بعد عناء حدد الموعد  بعد العصر في فندق ماريوت طريق فلسطين ، ذهبت انا و عبدالله فكان خليل في  بهو الفندق ينتظرنا .جلسنا فقدم علينا رجل ضخم يلبس زياً افريقيا به كل  الوان الدنيا ، سألته هل احضر العينة معه ؟ قال نتفق اولاً على الثمن .  فسألت كم الثمن ؟ كان خليل يترجم فقال لي سعر الجرام ( 10,000 آلاف ريال)  يعني 50 جرام في 10 آلاف يساوي (500,000 ، نص مليون ريال) ، اصبت بصدمة ليس  بسبب السعر و لكن لأني لا املك المبلغ . و رغم ذلك عقدت العزم على شراء  (الولدن)  بأي شكل.
 حددنا موعد للقاء الشيخ (نور البحار) بالسيد  (نودونجو) للتأكد من صحة الولدن و تم اللقاء في الفندق ، و أكد الشيخ ان  الولدن ممتاز . طلبنا من السيد (نودونجو)  مهلة فأعطانا يوم واحد فقط ! ...
 تشاورت مع الشيخ هل يوجد طريقة للمساعدة ؟ فقال لا يوجد ، و أنت لست مرغم  على الاستمرار في الامر (و اذا كان عندك نصف مليون ريال) فهي تكفيك رغم انك  سوف تضيع علينا كلنا فرصة لن تتكرر .
 احاط بي عبدالله و خليل و  قالوا لا بد ان تتصرف ، فقلت بشرط ان تعطوني مهلة شهر . فقال خليل لن يرضى  (نودونجو) الا لو اعطيناه نصف المبلغ على الاقل ، و بعد محاولات و تدخلات و  توسلات وافق السيد (نودونجو) على استلام (150  الف هي كل ما املك) و  اعطائي مهلة شهر لتدبير الباقي .
 سافرت الى القرية و خلال اقل من  اسبوع بعت المزرعة و البيت و ارض كنت قد ورثتها عن ابي (رحمة الله و رحم  موتى المسلمين) ، المحصلة كانت (540 الف ريال) .
 عدت الى جدة و قابلت عبدالله و خليل و طلبت منه ان يطلب من السيد (نودونجو) الحضور لإنهاء الاتفاق معه .
 وصل (نودونجو) اليوم الثاني و قابلناه في فندق حياة ريجنسي ، و كان الشيخ  معنا فسلمنا (نودونجو) انبوب زجاجي فيه سائل اخضر . أمسك به الشيخ و قام  بفحصه و طلب مني تسليمه المبلغ لان كل شيء تمام ، لم اتمالك نفسي من  السعادة و نسيت نفسي و قمت احتضنهم امام الناس (كنت اسعد انسان في الدنيا) ،  ثم اعطيت خليل (5 الاف ريال) مكافئة لانه تعب معنا و وعدته بالخير اذا  انهينا موضوعنا.
 ودعنا خليل و صديقه (نودونجو) و اعطاني الشيخ  انبوب الولدن و سلمني ورقة مكتوب فيها (يالطيف الله لطيف بعباده يرزق من  يشاء و يعز من يشاء و هو على كل شي قدير) ، و قال اذهب انت و عبدالله الى  الشقة و أطفىء النور و تولع الشموع و تردد الدعاء (3113)  مرة و سوف احضر  اليكم بعد منتصف الليل . 
 ذهبنا و بقينا في الشقة و وضعت انبوب  الولدن على احدى الطاولات و بدأت اردد الدعاء ، و قبل ان أنهي الدعاء سمعت  صوت إنفجار ، و عندما نظرت حولي اكتشفت المصيبة كان انبوب الولدن هو الذي  انفجر .
 إسودت الدنيا في عيني و جلس عبدالله يهديني الى ان حضر  الشيخ و كان غاضب جداً و أخذ يوبخني و لا اعرف السبب . إكتشفت في الاخر،  انني تسببت في مشكلة كبيرة لانني لم اكمل الدعاء بعد انفجار الانبوب ،  فسألت الشيخ عن الحل ؟ فقال لا بد ان تغادروا الشقة حالا قبل ان تصابوا  بمكروه ، و عندما اجد الحل سوف ارسل في طلبك .
 مر يوم و إثنين و  عشرة و الشيخ لم يسأل ، و عبدالله يرفض ان نذهب للشيخ بحجة انه لم يطلبنا ،  فقررت ان اذهب بنفسي ، و عندما ذهبت للبيت في شارع التحلية لم اجد احدا  فذهبت الى بيته الاخر فخرج لي شخص و قال لي انه لا يعرف عما اتحدث ، فأخبرت  عبدالله فقال هذا امر طبيعي لان الشيخ احيانا يكون مع ناس كبار و هم لا  يريدون احد يوصل للشيخ لدرجة انهم ممكن يؤذون اي شخص يحاول اخذ الشيخ منهم  فهو كنز بالنسبة لهم ، و أقنعني بالانتظار فربما الشيخ في خلوة .
 اصبحت أعيش في فراغ قاتل ، حاولت ان انسى كل شيء و أعود لحياتي فلم استطع .
 و في يوم من باب الفضفضة ذكرت الموضوع لأحد معارفي و إسمه عادل ،  فتأثر  جدا لما حدث لي ، و قال كلهم كذابين و نصابين . فحاولت ان اثنيه عن ذلك و  لكنه اصّر و قال انه سوف يثبت لي انه على حق .
 و بعد كم يوم في  المساء اتاني عادل في بيتي و معه شخصين ، واحد ملفت للانتباه و هو شاب يلبس  ثوب اخضر فسفوري مشجر و على رأسه طاقية خضراء مشجرة ، و الأخر شاب عادي .  عرفني عليهم ، الأول هو ادريس فلاتة مشعوذ افريقي لا يتكلم العربية بتاتا ،  و الثاني صديق عادل و هو سوداني و مترجم للأفريقي . 
 دخلوا عندي  البيت و بيتي عبارة عن صالة كبيرة جزء منها جلسة عربي كما ان الثلاجة في  الصالة و غرفة نوم و حمام و مطبخ صغير . فقال عادل للسوداني اخبره بما  اخبرتني .
  فقال السوداني اخبرني عادل بقصتك كاملة و سألت اخونا  إدريس ، فقال ان الشيوخ الذين قابلوك ليسوا الا سحرة يخدعون الناس بالكذب و  سحر الخيال ليسرقوا اموالهم ، فقلت يعني كلهم زي بعض و إدريس واحد منهم ؟  فعندما ترجم له كلامي غضب و قال ، هم مجرد سحرة و منهم كثير إنما انا مشعوذ  و لا يوجد مني الكثير ، ثم نظر اليّ نظرة اخترقتني و قال اعطوني (شمع و  أعواد ند و قطعة قماش) .
 احضرنا الشمع و الند من البقالة و  أعطيناه غترة ، فقال إطفئوا الانوار ، و ولع شمعة و وضعها فوق الثلاجة و  أخرى و ضعها في احدى زوايا الصالة ، و طلب مائة ريال وضعها في الارض وسط  الصالة و غطاها بالغترة ، و قال اجعلوا وجوهكم جهة الجدار ، و فعلنا فتمتم  بكلمات و سمعنا صوت رجل تكلم بلغة غير مفهومة ، فقال لنا ادريس انظروا  التفت و انا خائف . فرأيت كومة كبيرة ارتفعت من تحت الغترة و الفلوس تظهر  من تحتها و سحب منها ورقة و أعطاني إياها و قال هذا هو السحر ، مجرد خداع ،  و لكني سأريك الحقيقة .
 ثم قال ضع الشمعة التي على الثلاجة في  الزاوية الاخرى من الصالة ، ففعلت . فقال تعال هنا ، كانت الثلاجة تبعد عن  مكان جلوسنا 8 امتار ، فتمتم بكلمات ففُتح باب الثلاجة و لم تضيء اللمبة  التي بداخلها ، و فجأة رأينا يد طويلة تتجاوز المتر و النصف تخرج من  الثلاجة ، فاصبنا بالهلع . ثم يد اخرى ، ثم راس غير واضح الملامح . ثم جسم  ثم اقدام مثل اقدام الطفل الرضيع .
 كان المنظر مخيف جدا مهما وصفت  فلن استطيع ان اصف بدقة ، تقدم ذلك الشيء و بدأت ملامحه تظهر . فاكتشفت  انها امرأة عجوز ، و أن نهديها تقاربان من الارض . أشار اليها ادريس بان  تقف و تكلم معها ، فردت عليه بلغة غير مفهومة ، فقال لي اسألها عما تشاء و  ستجيبك بالعربي . و لكني لم انطق بل كنت ارتعش من شعر رأسي الى أصابع  أقدامي ، فقال هل تريد ان تسألها عن اي شيء ؟ فأشرت له برأسي بالرفض ،  فأشار اليها فتراجعت و دخلت الثلاجة . فطلب منا ادريس الالتفات الى الجدار ،  التفتنا ثواني فكانت الفلوس قد اختفت و لم يبقى تحت الغترة سوى المائة  ريال فقط . 
(عرفت بعد زمن ان التي خرجت علينا هي أم الصبيان ،  لأني قابلتها مرة اخرى في ظروف أخرى) ، و أذكر هنا انني (قابلت بعد هذا  الشخص الكثيرين غيره داخل السعودية و خارجها و لم ارى في ثباته احد . و قد  كان أول شخص أعرف منه ان الساحر أقل من المشعوذ ، و قد إرتبطت معه بصداقة  بعد ذلك استمرت فترة طويلة كما سنرى)  .
 خرجوا من عندي و خرجت  معهم و لم انم الا على البحر بعد طلوع الشمس ، و لم ادخل بيتي الا بعد اكثر  من اسبوعين . و قد بات عندي عادل كم يوم و أكمل السوداني المبيت عندي ثم  ترك سكنه و سكن عندي لفترة طويلة .
 بعد اقل من سنة قابلت فيها  اشكال و ألوان من السحرة و المشعوذين و الروحانيين و النصابين و خسرت فيها  ديني و عملي و أصدقائي و كل مدخراتي و بعت بيتي و ارضي و المزرعة التي في  القرية .
 بعد هذه التجارب أصبحت اكثر خبرة و أكثر جرأة ، و تعرفت  على أغلب الافارقة في جدة . بعد كل هذا قررت السفر بنفسي الى أفريقيا لتعلم  السحر و الشعوذة و أسرارها ، و لأكتشف الحقيقة التي كنت مستعد ان أدفع  عمري ثمناً لمعرفتها ، و رتب لي أحد الإخوة السودانيين الأمور في السودان  لتبدأ المرحلة الثالثة من قصتي و التي ستبدأ من السودان .
 فكيف سارت الامور هناك ، و من هم النجبا و الأوتاد و الأقطاب ؟ و ما هي الملوية ؟ هذا ما سنتعرف عليه معاً