عرض مشاركة واحدة
قديم 20-08-2011, 20:58   رقم المشاركة : 2
أميرة الاسرار
 
الصورة الرمزية أميرة الاسرار





أميرة الاسرار غير متواجد حالياً

أميرة الاسرار has a brilliant future


افتراضي رد: الدعاء في رمضان{فلسفته وعلاقته بالحياة}





اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف




مع الدعاء في شهر رمضان ( فلسفته وعلاقته بالحياة )







1- تحمل المسؤولية

الشعور بالمسؤولية تجاه الجانب السلبي من تصرفات الإنسان، تماماً كما هو الجانب الإيجابي منه. وقد نلمح ذلك واضحاً في بعض فقرات دعاء الإمام زين العابدين في الإعتذار عن تبعات العباد والتقصير في حقوقهم

"اللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظُلم بحضرتي فلم أنصره، ومن معروف أُسدِي إلىّ فلم أشكره، ومن ذي فاقة سألني فلم أُوقره، ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره، ومن كل إثم عرض لي فلم أهجره، أعتذر إليك يا إلهي منهن اعتذار ندامة يكون واعظاً لما بين يدي من أشباههن"

إننا نجد من خلال هذه الفقرات، في الموقف السلبي تجاه حالات الظلم والحرمان والمعروف ونحوها، خطيئة ينبغي للإنسان أن يعتذر منها- كما يعتذر من سائر خطاياه- لأن الموقف السلبي يتحول إلى موقف إيجابي لمصلحة الظالم ضد مصلحة المظلوم، ويؤدي إلى زهد أهل المعروف بالمعروف، وإلى غير ذلك من الحالات التي لا يجوز للإنسان أن يقف فيها موقف الحياد أو اللامبالاة في أي مظهر من مظاهر الحياة التي تتمثل في معركة الصراع بين الخير والشر.

2- استمداد العون الإلهي

الإستعانة بالله على محاربة غريزة الظلم والاعتداء على الآخرين، بالروح نفسها التي يطلب فيها الاستعانة به على دفع ظلامة الآخرين. وقد نلمح ذلك في فقرات متفرقة من الصحيفة السجادية:

"اللهم فكما كرهت لي أن أَظْلِم فَقِني من أن أظْلَم"

"اللهم اكسر شهوتي عن كل مأثم، وأزوِ حرصي عن كل محرم، وامنعني عن أذى كل مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة"

"ولا أُظْلَمَنَّ وأنت مطيقٌ للدفع عني، ولا أَظْلِمَنَّ وأنت القادر على القبض مني"

انه يستعدي قدرة الله على نفسه، ويستعطفها أن تحمي الآخرين من نزوات قوته ومن نزعات أنانيته. انه يبلغ قمة السمو الإنساني عندما يرفض الظلم من نفسه كما يرفضه من الآخرين، إنسجاماً مع الفكرة التي ترفض الظلم كمبدأ من دون النظر إلى طبيعة الظالم أو شخصية المظلوم ومع الفكرة الدينية التي تقول

"أحبب لأخيك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، فلا تَظلِم كما لا تحب أن تُظلَم"

3- مواجهة العقد

التركيز على حقيقة إنسانية ترى الظلم نتيجة طبيعية لعقدة ضعف، تتحكم في الظالم فتدفعه إلى التنفيس بالانتقام من المظلوم. الأمر الذي يجرد الظالم من وهم العظمة الذي يحاول أن يحيط به نفسه، ليغطي عوامل الضعف داخل نفسه. وقد نلمح ذلك في دعاء ليلة الجمعة

"يا رب، وقد علمت انه ليس في حكمك ظلم، ولا نقمتك عجلة، وإنما يعجل من يخاف الفوت، وإنما يحتاج إلى الظلمِ الضعيفُ، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك علواً كبيراً"

فالله لا يظلم لأنه قوي. أما الآخرون فإنهم يظلمون لأنهم يخافون الناس ويخافون الحق، فيبادرون إلى البغي والاعتداء لتغطية هذا الضعف والتمويه على الباطل

4- روحية العطاء

الإرتفاع بالأخلاق إلى المستوى الذي يجعلها تنطلق من داخل الإنسان عفوياً، كما هو النور من الشمس والماء من الينبوع، من دون مقابل، لئلا تتحول المسألة إلى مبادلة تجارية

أن يشعر الإنسان بالجذور الأصيلة للخير تمتد في داخل نفسه، وتدفعه للخير من أجل الخير من دون تفكير في حساب الربح والخسارة على المستوى المادي انسجاماً مع الفكرة الإسلامية التي تقول

"صِلْ من قطعك، واعفٌ عمّن ظلمك، وأعطِ من حرمك"

وهذا ما نراه في دعاء مكارم الأخلاق

"اللهم وسدِّدني لأن أعارض من غشنّي بالنصح، وأجزيَ من هجرني بالبر وأثيبَ من حرمني بالبذل، وأكافيَ من قطعني بالصلة وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر، وأن أشكر الحسنة وأُغضي عن السيئة.."

5- الاندماج الروحي

الإيحاء بضرورة الاندماج الروحي بالطبقات المحرومة من الفقراء والمساكين، والتعاطف معهم كخُلُق ذاتي، تنطلق فيه الممارسة من محبة النفس الذاتية لا من طبيعة الواجب المفروض من أعلى. ثم الانسجام معهم بالسيطرة الدائمة الواعية على الإنفعالات النفسية، التي تحدث للإنسان من خلال اصطدامه بإطارهم الضيق الذي يجعلهم يفقدون الكثير من أصول اللياقة واللباقة تبعاً لقسوة ظروفهم وخشونة واقعهم

وهذا ما تعبر عنه هذه الفقرة من أدعية الصحيفة السجادية

"اللهم حبِّبْ إليَّ صحبة الفقراء، وأعِنيِّ على صحبتهم بحسن الصبر.."

6- محاربة الكسل

الايحاء الذاتي للمؤمن بأن البيئة التي يسودها الكسل، وتنتشر فيها البطالة تبعده عن الله، كما تبعده عن الحياة الجادة الهادفة، الأمر الذي ينبغي له معه أن يرفض تلك البيئة ويتحول إلى بيئة أخرى يسودها العمل والجد والإجتهاد، كما نجده في دعاء شهر رمضان في معرض تعداد الأسباب التي تبعد عن الله

"أو لعلك رأيتني ألف مجالس البطالين فبيني وبينهم خليتني.."

7- مكارم الأخلاق

التركيز على تغيير الإنحراف في أخلاق الإنسان، سواء أكان الإنحراف في داخل النية، فيتمثل في التغيير في تحولها إلى نيات طيبة، أم كان في طبيعة الكلمة فيتمثل في تحويلها إلى كلمات خيرة، أم في طبيعة العلاقات الإنسانية التي ترتكز على الرغبة والرهبة، فيتمثل في تغييرها إلى علاقات ترتكز على أساس الكفاءة الذاتية والقيمة الواقعية. وسنجد كل ذلك متمثلاً في دعاء مكارم الأخلاق

"اللهم واجعل ما يلقي الشيطان في روعي من التمني والتظني والحسد ذكراً لعظمتك، وتفكراً في قدرتك، وتدبيراً على عدوك، وما أجري على لساني من لفظة فحش أوهجر أو شتم عرض، أو شهادة باطل، أو اغتياب مؤمن غائب أو سبّ حاضر، وما أشبه ذلك، نطقاً بالحمد لك، وإغراقاً في الثناء عليك، وذهاباً في تمجيدك، وشكراً لنعمتك، واعترافاً بإحسانك وإحصاءً لمننك.."

"اللهم وصُنْ وجهي باليسار، ولا تبتذل جاهي بالإقتار، فاسترزق أهل رزقك، واستعطي شرار خلقك فأُبتلى بحمد من أعطاني وذمِّ من منعني وأنت من دونهم وليُّ الإعطاء والمنع"


8- التوازن الذاتي


الإلحاح على مراقبة النوازع الداخلية في النفس، لإبقائها على طبيعة التوازن الذاتي وعدم السماح بطغيان العوامل الخارجية التي تتمثل في المدح الذي يكال للإنسان من دون حساب، وللجاه الذي يحصل عليه، أو العزة التي ينالها نتيجة أعماله وأخلاقه

"اللهم لا ترفعني في الناس درجة، إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها"

9- خط الاستقامة

الإصرار على المحافظة على الحق مع الأولياء والأعداء، وعدم الانجراف مع تيار العاطفة، في إخضاع السلوك للعواطف والأغراض الشخصية والنزعات الطارئة

"اللهم وارزقني التحفظ من الخطايا، والاحتراس من الزلل في الدنيا والآخرة في حال الرضى والغضب، حتى أكون بما يرد عليّ منهما بمنزلة سواء عاملاً لطاعتك، أو مؤثراً لرضاك على ما سواهما، في الأولياء والأعداء حتى يأمن عدوي من ظلمي وجوري، وييأس وليي من ميلي وانحطاط هواي.."


وبعد

فهذه نماذج من الأدعية الإسلامية التي لم يحاول منشئوها أن يجعلوا الإنسان يبتعد بها عن حياته، بل حاولوا أن يشددوا معها على صلته بالحياة، ويرشدوه إلى المجالات التي يستطيع أن ينتبه فيها إلى مواضع الخطأ فيصلحها، وإلى مواطن الإنحراف فيصححها، وإلى زيغ النيات فيخلصها من الشوائب.
الأمر الذي يجعلنا نستوحي منها الفكرة التي تقول: ان الإسلام يريد من المسلم أن لا يصرف بوجهه عن حياته حتى وهو بين يدي الله، بل يريد منه أن يندمج بالحياة بكل قوة، يجسد كل إرادات الله وكل تعاليمه التي تغدو الأرض معها جنة مصغرة، نتعلم فيها كيف نمارس نعيم الله في الدنيا، قبل أن نعيش معه في الآخرة.

وفي ختام الحديث

نريد للإنسان المسلم في هذا الشهر المبارك أن ينطلق مع هذه الأجواء التي تمثل السمو في الأخلاق والروح والفكر، ليحلّق بأجنحة الإيمان إلى المدى الذي يلتقي فيه بمعاني المحبة والتسامح والتعاون وبناء الحياة على أساس الإيمان، من أجل مواصلة السير في طريق الله، طريق الحياة الرضية المرضية الوادعة المطمئنة، التي لا تستجيب إلا للنور، ولا تنطلق إلا مع الخير، حياة الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين


• السيد محمد حسين فضل الله{رحمة الله وبركاته عليه}



نسألكم الدعاء