ابننا عبد الحفيظ
إن جمعت بين العقل الذي يصدق الظاهر.. والقلب الذي يتذوق الباطن ..
كنت من الذين أوتوا العلم مرتين.
نعم .. القصص القرآنية وقعت فعلا .. ووردت بصيغة الحدث التاريخي الحقيقي لا المجازي.
لكنها أيضا حملت بمعان باطنية عميقة .. لتبقى حية .. تتجدد في كل عصر وفي كل نفس.
في قصة نوح مثلا نقراها على وجهين
وجه تاريخي .. رجل دعا قومه.. كذبوه ووقعت كارثة عليهم ربما فيضان ونجا منه هو و من معه.
وجه باطني له تاويلات خاصة فالطوفان هو الغرق في الغفلة .. نوح هو صوت النور الداخلي
السفينة هي الذكر من ركب نجا.
نرجع شوية للوراء .. ادم مثلا و خلقه من التراب و غيره الى اخر القصة المعروفة ..
الإنسان لم يخلق فجأة من تراب.. بل تطوّر تدريجيا من أسلاف عاشوا ملايين السنين.
لا يوجد شيء اسمه انسان اول او ابو البشرية بل سلسلة بشرية ظهرت تدريجيا.
التنوع الجيني في البشرية لا يمكن أن يصدر من زوجين اثنين فقط (آدم وحواء) بل من تجمع بشري متنوع.
وفق الفهم التقليدي .. آدم خلق مباشرة من تراب ( طين أو صلصال) بيد الله.
ثم خلقت حواء منه او من ضلعغ من اضلاعه .
و وفق التفسبر الظاهري هما أبوا البشرية جميعا.
وقعا في الخطيئة و عوقبا بالخروج من الجنة بعد الأكل من الشجرة.
وهذا هو الفهم الحرفي الجامد و هو يصطدم فعلا بالتأويل الباطني و كذلك بالعلم الحديث.
في التأويل الباطني .. لا يقرأ التراب على أنه فقط عنصر مادي بل كرمز ..
فالتراب هو رمز للطبيعة السفلى او الغريزة الأرضية في الإنسان
معنى خلق من تراب أي نزل من رتبة الروح النورانية إلى رتبة الجسد المحدود.
وبهذا يصبح الخلق من تراب قصة رمزية للهبوط من النور إلى الكثافة لا وصفا بيولوجيا دقيقا.
و سؤالك يدخل بنا في سؤال اخر قرأته من فكرك .. او داخل سؤلك ..
هل الأنبياء كانوا أشخاصا حقيقيين أوحي إليهم من الله خالق هذه الأكوان و المجرات و الكواكب و الأراضي التى نراها و المحجوبة علينا ؟
أم كانو مجرد فلاسفة مستبصرين ذوي ذكاء خارق.. طوروا تجارب باطنية عالية وأسسوا أديانا رمزية؟
ندخل ننبش في افكار الحكماء السابقون و نراهم ما يقولون و كيف فهموا الوضع ؟
ابن سينا.. رأى أن النبي هو إنسان ذو قوة خيالية فائقة يتلقى المعاني من العقل الفعال ويحولها إلى رموز
فرويد.. رأى أن الدين والنبوة نابعة من حاجات نفسية وأساطير تطورت من اللاوعي الجمعي.
كارل يونغ.. تعامل مع الأنبياء كرموز عليا في النفس البشرية (Archetypes) تدل على النضج الروحي.
باقي الحكماء رأوهم كمصلحين و حكماء وعباقرة لديهم وعي متقدم سبق زمانهم.
و لكن هذه الرؤى تلغي الوحي الإلهي المباشر وتنزع البعد القدسي عن النبوة..
ساداتنا اهل الباطن و شيوخنا اهل الحكمة الباطنيون قالوا ...
الفيلسوف و الحكيم يرى الحقيقة من وراء حجاب العقل
والعارف يذوقها بقلبه
أما النبي… فينطق بها بأمر من الحق لا من نفسه.
كان شيخنا الناطق الاعظم مولاي و سيدي عبد الله قدس الله سره يقول عن سورة نوح
انها وقعت في الخارج .. وتشير إلى ما يقع في النفس أيضا.
لان لنبوة والكرامة والوحي… من عالم فوق الطبيعة.
و
الإيمان ليس ضد العقل لكنه أوسع منه
والعقل لا يستطيع نفي ما يتجاوز أدواته.
فنقول نعم.. الأنبياء والرسل شخصيات حقيقية في التاريخ
والقصص المذكورة عنهم — بما فيها الخارقة — وقعت فعلا بإرادة الله.