المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرحلة الروحية


شيخ الأسرار الباطنية
18-03-2012, 23:14
الرحلة الروحية

المقدمة:

في عام 1972 حطّبي الرحال في مدينة بوسطن الأميركية حيث جئت باحثاً عن الصحة والسلام والمعرفة الروحية لتحقيق ذاتي العطشة لخفايا هذه الحياة في ظل هذا الوجود الأعظم. فقد علمت ذات يوم أن هناك معلم قدير يدعى ميتشو كوشي يلقي المحاضرات في عدد من الجامعات الأميركية والعالمية, يتكلم فيها عن كشف علمي – روحي لتلك العلوم المحببة لقلبي والمقربة لعقلي. فقررت الذهاب الى ذلك المعلم الكبير لأكون واحداً من تلامذته, حيث جلست بإنذهال أستمع الى شرح مبسط عن تلك الرحلة الروحية التي نطوف جميعنا من خلالها من آقاصي ذلك العالم الكوني المطلق واللانهائي الى هذا العالم الكوني المحدود المتناهي في الصغر.

وبعد عدة محاضرات من هذا الشرح الشيق لمجمل هذه الأمور الوجودية والكونية بطبيعتها, بدأنا بالتطبيق العلمي والممارسة العملية لفنون هذه الرياضة الروحية, كالتأمل, الترنيم والتواصل, والطب الروحي والجسدي وفقاً للمفاهيم الكونية في تناول الأغذية الطبيعية التي تقوم على مبدأ التوازن والتكافىء في الطاقة, لا سيما الطاقة السماوية والطاقة الأرضية كمدخل أساسي الى الصحة والسعادة الجسدية والروحية في كلٍ من عالمنا الحاضر وعالمنا التالي.

كما أنه قدم لنا شرحاً مسهباً ومميزاً لروحية معظم تلك الكتب الدينية التقليدية, كالعهد الجديد والقديم, الطاوية, الكونفوشية والبوذية والزينية, بالإضافة الى رؤيته اللافتة "للكارما والتقمص الروحي" والتفاوت الطبيعي الحاصل بين مستويات الوعي الروحي الفردي عند الإنسان والكائنات الحية من عالمنا هذا.

لقد كان التركيز خلال هذه الدورة على التجربة الفردية للتلامذة في إختبار وتحقيق كل ما تناوله الشرح بالتزامن مع تطبيق نظام غذائي يسيط للغاية نفسها. كما أن هذا المعلم لم يكن ليجيب على أسئلة تلامذته الكثيرة والمتنوعة, بل كان هو من يقوم بتوجيه الأسئلة الواعية والمفيدة على تلامذته, ليحثهم على الغوص في أعماق ذاتهم الكونية واكتشاف الأجوبة الشافية بأنفسهم.


دعونا الأن نلقي نظرة على بعض ما ورد في هذه الدورة من أمور تتعلق بحياتنا الروحية وبآبعادها الكونية اللامتناهية.

1

التجربة الروحية

إن هناك إعتقاد راسخ من قبل الكثيرين في المؤسسات الدينية أن إيصال الحقيقة الى الناس أمر معقد وغاية يصعب إدراكها. هذا الإعتقاد القديم - الجديد الذي لم ينتج عنه إلا المزيد من الإرباك والهشاشة في عقول الناس للعالم الروحي الذي نحن لسنا إلا جزءاً صغيراً لا يتجزأ منه. فكيف لنا أن نفهم الله دون أن نتفهم نظامه الكوني؟ وكيف لنا أن نفهم هذا النظام الكوني دون أن نتعرف على ذاتنا الحقيقية ونكتشف جذورنا وأصالتنا الكونية في هذا الكون الأزلي الأبدي الذي ننتمي إليه والذي يتوازى فيه الصغير مع الكبير, والكبير مع الصغير بكل حكمة ووعي وكمال.

وهناك أيضاً مدرسة أخرى من المعلمين والمرشدين الروحيين الذين يعتقدون أن الحقيقة واضحة كالشمس, لكنه سيتطلب منا تحمل مسؤولية فردية أكبر من التفهم والإدراك للتعرف على هذا النظام الكوني – نظام الله الأساسي الذي إنطوى فينا منذ الأزل لكي تزول هذه الهشاشة وهذا الإرباك من عقولنا وقلوبنا. فالعالم الروحي عملي وعلمي أكثر مما نتصور ونعتقد. فمن الطبيعي أن يقوم كل فرد منا في مرحلة من حياته باكتشاف ولو القليل من هذه المعرفة ليختبر ولو القليل من هذه الإستنارة الروحية للحياة الأبدية.

لذا يفضل في بداية الأمر أن يكون هناك مرشد أو معلم روحي يرشدنا بصدق وأمانة لإكتشاف كنوزنا الدفينة بأنفسنا لتحقيق هذا السلام الداخلي والصفوة الروحية والضميرية في هذه الحياة والحياة التي ستليها.

هناك خمسة ركائز أساسية يجب علينا فهمها والتركيز عل أهميتها:

1) الغذاء الصحي, إن تناولنا للأطعمة الصحية والطبيعية خير بداية للمضي قي الإتجاه الصحيح. إن الحمية التي تعتمد على 80 بالمئة من الحنطة الكاملة ومشتقاتها بالإضافة الى حصص صغيرة من البقوليات, و 20 بالمئة من كافة أنواع الخضار الأرضية والبحرية هو نظام صحي يمكن الإعتماد عليه في معظم مراحل نمونا وتطورنا الجسدي والروحي, لأن هذا النوع من التغذية سيزودنا بالطاقة الطبيعية المتوازنة والخالية من النوايا السلبية والغرائز التي تنتقل إلينا عادةً من جراء قتل الحيوانات وأكل لحومها. ويجب أيضاً أن لا ننسى أن علينا مضغ الطعام جيداً الى أن يتحول الى سائل في فمنا. لهذا يتطلب منا التركيز على الأطعمة الصحية والطبيعية, وتجنب اللقيمات الكبيرة والكميات الوافرة أو المبالغ بها.

2) النشاط الفيزيائي, إن النشاط الفيزيائي المنتظم الذي نقوم به يومياً سيحفز الدورة الدموية, حيث يقوم الدم بنقل وتغذية كل عضو وخلية من أعضاء وخلايا أجسامنا بهذه الطاقة الغذائية والروحية الداعمة لصحتنا العامة ونوايانا وطريقة تفكيرنا وتصرفاتنا حاضراً ومستقبلاً.

3) الغذاء الروحي, مع تناولنا المتوازن والمستمر للأطعمة الطبيعية والصحية التي تتناسب مع طبيعة جسدنا وأنشطتنا, يصبح الغذاء الروحي أمراً طبيعياً ومسهلاً, إذ أن الغذاء الروحي هو هذه الطاقة الكونية اللولبية التي نستمدها مباشرةً وبشكل مستمر من الأرض والسماء في آنٍ واحد. فكل ما يستوجب علينا هو فقط تسهيل طوفانها داخل هذه المسارات الروحية السبعة وروافدها الأربعة عشر التي تغذي جسدنا بها من خلال إتخاذ وضعية أكثر إستقامة. إذ أن الإنسان وسنبلة القمح يتميزان في شكلهما العامودي بين الكثير من النباتات والحيوانات. لهذا فإنهما يتلقيان الطاقة الأرضية والسماوية بشكل عامودي ومستقيم, عكس الزواحف والحيوانات وباقي الفصائل النباتية.

4) التهيئة البيئية, إن الصمت والهدوء والسكون ضرورة لتلقي هذه الذبذبات والتموجات الروحية. فالضجيج والذبذبات التي تطلقها الآلات الإلكترونية والكهربائية والميكانيكية تتعارض مع الذبذبات والتموجات الروحية وتعكر صفوها. إذ أن هذا النوع من الضجيج الذي هو سطحي يتقاطع مع الذبذبات الروحية التي هي عامودية في طبيعتها. فإن الصمت, الهدوء, السكينة, النظافة, والترتيب صفات يتحلى بها كل إنسان قابل للنمو والتطور الروحي.


إن الذبذبات والتموجات اللامرئية التي نتغذى بها روحياً أكثر بكثير من تلك التي نحصل عليها من خلال الأغذية المادية أو المرئية. لهذا, سميت هذه الطاقة السماوية والأرضية منذ القدم "بالروح."


إن الطاقة السماوية إنكماشية بطبيعتها, أما الطاقة الأرضية فهي إنفلاشية. إنها هذه الطاقة الكونية التي لا بداية لها ولا نهاية, فهي هذه الطاقة الكونية المتجلية التي تسري فينا وفي كل ما هو موجود في هذا الوجود. لهذا, يجب علينا إحترام الأرض والسماء والبيئة والتناغم معها بكل محبة وتوحيد.

5) التأمل, إن التأمل هو الطريق الأوحد الذي يصلنا ويوحد ذاتنا الكونية الصغرى مع ذاتها الكونية الكبرى. هناك الكثير من الطرق للتأمل, لكننا سنتكلم الآن عن وضع الجسم وطريقة الجلوس.


هناك طريقتان للجلوس, لكن أجلس بصمت في مكان هادئ أو في أحضان الطبيعة, وليكن صمتك أبعد من الفكر والتفكر أو ثرثرة العقل وسيطرته:

أ) هناك طريقة اليوغا التقليدية المتبعة حول العالم, أي الجلوس بشكل زهرة اللوتِس النصفية. بأمكانك أن تضع وسادة صغيرة تحتك والجلوس عليها لمزيد من الراحة والحفاظ على ظهر مستقيم وأكتاف منفتحة, مع إسترخاء كامل للذراعين ووضع الكفين على الجزء الأعلى من الأوراك في وضعية مريحة لا تتعدى 45 درجة, ثم ضع مؤخرة كف اليد اليسرى في كف اليد اليمنى الى أن يتلامس الأبهامان مع بعضهما البعض.

ب) أما الطريقة الثانية والأكثر شيوعاً في الشرق فهي أن تركع على ركبتيك وتضع إبهام قدمك الأيسر على إبهام قدمك الأيمن, تاركاً مسافة لا تتعدى قبضة اليد الواحدة بين الركبة اليمنى واليسرى, جالساً على المسافة التي تمتد بين مؤخرة ساقيك وكاحليك, محافظاً على وضع مستقيم للعامود الفقري والأكتاف. ثم ضع كفيك على الجزء الأعلى من أوراكك في وضعية مريحة لا تتعدى 45 درجة, ثم قم بوضع مؤخرة كف يدك اليسرى في كف يدك اليمنى الى أن يتلامس الأبهامان مع بعضهما البعض.

من الممكن أن تواجه بعض الصعوبات في الجلوس في هذه الوضعية في بداية الآمر, لكن مع تناولنا للأغذية النباتية والممارسة الفيزيائية الدائمة والمنتظمة سيلين ويتحسن جسمنا, حيث سيمكننا الجلوس في هذه الوضعية لفترات أطول. يمكننا أيضاً تبديل وضعية القدمين بين الحين والآخر. كما يمكننا رفع كلتا الذراعان والوجه الى الآعلى لعدة ثوانٍ, ثم خفض الذراعين أولاً ببطىء الى مكانهما الطبيعي ثم الوجه الى الأمام, هذا سوف يساعدنا في الحفاظ على وضعية مستقيمة للعامود الفقري والأكتاف.

التخلص من الأوهام:

مع تصميمنا الصادق والحميم وحسن متابعتنا لما ورد أعلاه, ستتكثف بداخلنا ذبذبات أكثر إيجابية مما سينعكس على قدراتنا الروحية في التخلص من الذبذبات السلبية التي ينتجها الإستكبار والأنانية, الخوف, الإرهاق النفسي, الأحلام والكوابيس المزعجة أو الغير مبررة. فمن الضروري جلاء الفكر أولاً من كل هذه الأوهام التي تقوم بالتشويش على صحتنا النفسية وطاقتنا الروحية. كما أن هناك أساليب متعددة من التأمل والترانيم ستساعدنا على التخلص من كل هذه الذبذبات السلبية والأوهام العقلية, منه ما قد نقوم به مع شريك لنا, ومنه ما قد نقوم به على نحو فردي.

اجلس بجانب شريكك وضع كف اليد الواحدة على جبينه والكف الآخر على أعلى رقبته, أي أسفل مؤخرة الجمجمة بخفة وثبات لمدة خمسة أو سبعة دقائق بدون أي تلامس جسدي آخر. أغلقا عينيكما وليكن تنفسكما منضبط على النحو نفسه. أن هذه الطريقة المتبعة أكثرها "ين."

أما الطريقة التالية والتي أكثرها "يانغ" يمكننا ممارستها على نحو فردي: أجلس بإحدى الطرق المذكورة أعلاه للتأمل وارفع ذراعيك في الهواء وصفق مرتين. ثم اغلق العينين وركز على أن يكون التنفس مولوداً من أسفل المعدة. يمكنك إعادة هذه التجربة عدة مرات, إذ أن التصفيق مرتين قبل التأمل يبعد الذبذبات عنك ويمنحك جواً صافياً من الذبذبات الإيجابية والطاقة الجديدة.

أما الترنيم فهو طريقة قديمة جدا تتخطى الترانيم البودية بألاف السنين, فلكل لفظة طاقة ومفعول. أجلس بإحدى الطرق المذكورة أعلاه وتنفس بهدوء وردّد هذه الألفاظ لخمس أو سبعة مرات, مع إمكانية إبقاء الجفون نصف مغلقة:

هاي – فو – مي – يو – أي – مو – نا – يا – كو – تو – مو – شي – رو.

Hi - Fu - Mi – Yo – I – Mu – Na – Ya – Ko – To – Mo – Chi – Ro

يمكنك ترديد هذه الترنيمة كل ما أحسست بإنزعاج أو قلق غير مبرر لتهدئة النفس والحفاظ على إتزان الطاقة السماوية التي تنحدر عليك من الجهة اليسرى من جسدك, والطاقة الأرضية التي تصعد من الجهة اليمنى منه.

2

سر التكوين

إن المادة شكل مكثف من الطاقة أو الروح - والروح هي شكل خفي من المادة أو الجسد. إن أجسادنا مؤلفة من المادة التي هي عبارة عن هذا الكم الهائل من الذرات التي تتحرك وتتحول يسرعة فائقة. أما هذه الذرات فهي تتألف بغالبيتها من هذا الفراغ الذي تحركه الجزيئيات الما قبل ذرية. إن هذه الجزيئيات هي عبارة عن شحنات مكثفة من الطاقة ليس لها أي دليل مادي.


لهذا, في الواقع, يمكننا النظر الى الجسد على أنه دفق من الطاقة والتحولات. فهو يعيش في حالة فورية ومستمرة من الحركة والتحول الدائم.

إن "سر التكوين" لهذه الحياة هو نتيجة هذا الدفق الهائل من الطاقة السماوية والأرضية معاً. فالشمس تمدنا باستمرار بدفق من هذه الطاقة اللولبية التي يعرفها العلماء بالرياح الشمسية التي تتصادم مع الحقل المغناطيسي لكوكب الأرض, مما ينتج عنها هذه الطاقة المرئية الهائلة أو هذه الهالة الجميلة التي تحيط بكوكب الأرض وتشع منه نوراً. فعلماء الفلك على علم بحقل هذه الطاقة المرئية والتي يصفونها بالجو المغناطيسي للأرض. لهذا نقول أن الكون في حالة تكونية أبدية مستمرة منذ الأزل, فهو يكون نفسه بنفسه, وكما أن ليس له بداية, فهو بالطبع ليس له نهاية.

إن الطاقة المنبعثة من الشمس تفوق الطاقة المنبعثة من الأرض بسبع مرات. هذا ما يدفع بالطاقة الأرضية الى التجمع والبقاء في محيطها الجوي الذي يدعونه العلماء بالحقل الجوي المغناطيسي للأرض والذي يشبه رأس الإنسان. كما أن الطاقة المنبعثة من مجرة درب باب اللبانة تفوق الطاقة المنبعثة من نظامنا الشمسي هذا بسبع مرات, مما يشكل أيضاً حقلاً هائلاً من الطاقة الإليكترومغناطيسية والتي إذا ما نظرنا إليها بشكلها المتكامل سوف نحصل على جسم كامل من الطاقة (هالة) يشبه جسم الإنسان بشكله. هذا ما يفسر القول الشهير الذي ينص على أن الله خلق الأنسان على صورته ومثاله.

لهذا نقول أن الإنسان جزءاً لا يتجزء من هذا النظام الكوني الذي هو نظام الله الكوني بكل موضوعية وبساطة, حيث هناك سبع أبعاد لهذا العالم الروحي الذي ننتقل من خلاله كضمير كوني في هذا الوجود الأعظم لنتجسد وننمو ونتطور الى أن نصل ونتحد مع اللانهاية ونعيش هذه الحالة التي نسميها "اللانهائية الإلهية."

مقاربتان للعالم الروحي:

1) الرضى والتسليم لهذا النظام الكوني, أو نظام الله بدون شروط أو تحفظات, لأن حالتنا اللانهائية بالواقع هي في أمان. فليس هناك حاجة الى القلق على حاضرنا أو مستقبلنا. إن الإستكبار والأنانية, الكبرياء والتعجرف, الخوف والغضب هما لصغار النفوس الذين يضعون الحواجز بينهم وبين هذا الوعي الكوني الأكبر. لهذا, لما لا نسلم أمرنا لهذه الإرادة الكونية أو الله؟ لنتمكن من تحقيق هذا, نحتاج الى تليين صلابة عقولنا وتطهير أجسادنا أولاً.


إن هذا المنحى من الرضى والتسليم الكامل لهذا النظام الكوني أو نظام الله هو الطريق الأسهل لإختبار النمو الروحي, لأن كل شيء هو تجلٍ من عند الله أو الروح. لهذا, كثيراً ما كان القدماء يتبعون هذه الطريقة البسيطة في حياتهم.

2) أما المقاربة الثانية والتي هي متممة للمقاربة الأولى فتقول أن الكل يعيش في قلب الله وأن كل شيء هو تجلٍ لهذه الطاقة الإلهية المطلقة. فليس هناك أنا بمعناها الصغير, بل هناك تجلٍ إلهي في كل فردٍ منا وإن الله هو الكل في الكل, أي الألوهية المتجلية فينا. لهذا, كثيراً ما كان القدماء يصفون هذه الطريقة بالطريقة الصعبة.

لهذا, نرى أن البشر الذين يعيشون في مناطق أكثر "ين" يفضلون مقاربة الإختبار الروحي بالطريقة الأولى. علماً أنه تم إتباع الطريقة الأولى بكثافة في المناطق الدافئة من هذا العالم. لهذا, قام النبي محمد باتباع هذه الطريقة مع أتباعه.


أما البشر الذين يعيشون في مناطق أكثر "يانغ" فيفضلون مقاربة الإختبار الروحي بالطريقة الثانية التي هي الأصعب. لهذا, قام المسيح وبودا باتباع الطريقة الثانية, حيث قاما بالصوم الصحي والتأمل للبحث عن الذات الكونية للمعرفة الحقيقية. علماً أنه كان للمسيح ولبودا معلمين, كيوحنا المعمدان مثلاً, إلا أن إكتشافه للأبعاد التي وصل إليها تم بإتباع الألوهية التي إكتشفها بذاته داخل كينونته.

من الحكمة أن نتعرف على هاتين الطريقتين ونختبرهما, لأن الأولى محفزة لعدم الإستسلام الى الإستكبار وسيطرة العقل. أما الثانية فستساعدنا على إكتشاف الذات الواحدة الموحدة. فكلاهما طرقٌ صالحة وأساسية للوصول الى هذا التوازن والتناغم الروحي.

لهذا, نرى تقليداً منتشراً في معظم الديانات الروحية والحضارات القديمة وهو الجلوس على الأرض أو الركوع والإنحناء الى الأمام وتقبيل الأرض أو أطراف الوالدين, المحبين والمعلمين. فالمسيح إنحنى وقبل أرجل تلامذته. كما أن الشرقيين ما زالوا يقومون بالإنحناء لبعضهم البعض الى يومنا هذا, حتى قبل وبعد التحديات والمبارزات في الفنون القتالية. فإن دل هذا على شيء, فإنه يدل على إتباع هذه الطرق الموحدة في نبذ وتبديد الإستكبار والأنانية والتخلص من هذه الأنا الصغيرة, والتشديد على هذه الأنا الكونية التي هي مصدرنا الحقيقي الواحد المتواحد. إنها إحدى الطرق الفعالة التي تعلمنا أن تقول "نعم" للحياة بكل رضى وتسليم وتواضع.

تأكيد وحدتنا مع الكون:

إن الكون مليء بهذه الذبذبات التي تنبعث من كل ذرة من مكوناته, إن كانت مادية أو روحية. فهي تعبر عن حالها بإطلاقها وتكثفها لهذه الذبذبات. كما أننا نعرف جيداً أنه لكل شيء متحرك صوت, ولكل صوت ذبذبات. ونعرف أن ليس هناك شيئاً راكد أو غير قابل للنمو والتحول في هذا الكون. فالأرض تدور حول نفسها وحول الشمس. لهذا نقول أن للكون صوت وذبذبات لأنه دائم الحركة والتحول, لكن لا يمكننا سماعه لأننا تعودنا أن نسمع فقط هذا الضجيج الذي أنتجته حضارتنا وصنعته أيدينا. لكن عندما نتوحد ونتناغم مع أنفسنا ومع هذا الوجود الكوني والصمت الأكبر, ستزداد حساسيتنا الروحية لإلتقاط هذه الذبذبات الكونية التي نحن فقط إحدى السابحين في فضائها. كما أنه سنتمكن من التواصل مع هذا النظام الكوني عبر الذبذبات التي تنتج عن كل نية أو صوت أو عمل نقوم به, بغض النظر عن إيجابيته أو سلبيته, لأنه بالحقيقة لن يكون معبراً إلا عن حالتنا ومستوى وعينا الفردي في هذه المرحلة من حياتنا.

الرؤية الداخلية والخارجية:

إن جسم الإنسان صورة طبق الأصل عن هذا الكون. ففي جسدنا أيضاً الماء, الهواء, الحرارة, العناصر والمعادن, الخلايا, الطاقة الإليكترمغناطيسية, الذبذبات, الفضاء, والبلايين من الذرات التي هي فارغة بمعظمها من الداخل.

وكل ما تأملنا بأنفسنا وجدنا فضاءً داخلياً أعمق وأعمق وأبعاداً لا تنتهي. فهذه الرؤية الداخلية تتشابه الى حدٍ كبير مع هذه الرؤية الخارجية التي نختبرها خلال رحلاتنا الروحية الى البعد الآخر. فكما أن طبيعة جلدنا مكونة بإبداع لتتناغم مع أجواء جسدنا الداخلي والخارجي بزمنٍ واحد, فإن أنفسنا مكونة بشفافية فائقة لتتناغم مع العالم الداخلي والعالم الخارجي لهذا الكون ونظامه المتكامل.

الرؤية الداخلية:

يمكننا تحفيز رؤيتنا الداخلية عن طريق التأمل. أجلس على الأرض بشكل زهرة اللوتِس النصفية, حافظ على ظهر مستقيم وأكتاف منفتحة ورقبة مرتاحة وتنفس هادئ وطبيعي. ضع كفيك على الجزء الأعلى من الأوراك في وضعية منفتحة ومريحة لا تتعدى 45 درجة, ثم قم بوضع مؤخرة كف اليد اليسرى في كف اليد اليمنى الى أن يتلامس الإبهامان مع بعضهما البعض.


أغلق جفونك وحاول أن لا تعطي إنتباهك لأى صوت يمكن سماعه وأنت في هذه الوضعية. دع تنفسك الآن يصبح أهدأ وأهدأ. ركز على توجيه العيون بالإتجاه السفلي, بدون التركيز على مشهدٍ معين.


الآن, كوّن صورة عن ذاتك الخفية وهي تدخل من أنفك الى أسفل منطقة الأمعاء وأعضائك الجنسية, ومنها صعوداً الى الرئتين والقلب, ثم الى كل أنحاء جسدك وأطرافك وخلاياك, الى أن تصل الى فضائك الداخلي. كرر هذا مع كل نفس تأخذه دون التركيز على إتباع التفاصيل ذاتها في العودة الى نقطة الإبتداء.


إن هذا سيمكننا من تكوين رؤية تأملية لحقيقة ذاتنا الكونية بتقربٍ وحماميةٍ أكبر مع ذاتنا الكونية.

الرؤية الخارجية:

يفضل بعض الناس هذه الطريقة في التأمل. فمن خلال هذه الطريقة تبقى الجفون نصف مغلقة, بدون التركيز البصري أو السمعي على أي شيء أرضي أو بيئي تحديداً, إنما فقط التركيز على هذه المقدرة في سماع صوت الذي لا صوت له, ورؤية الشكل الذي لا شكل له. إنها عبارة عن رحلة روحية تدخل أحاسيسنا من خلالها في مسارات فضائية مجرية للشمس والكواكب والنجوم, لنعود كالأطفال الرضع الذين لم يتثنى لهم بعد أن ينسوا عالمهم الروحي الذي أتوا منه. ولكن سيحتاج منا هذا الى الكثير من الوعي, والتبصر والخروج من العالم الجسدي وأحاسيسه المادية.

الإحساس بالعالم الآخر:

يمكننا إستعمال كلٍ من حواسنا الخمس لتحفيز وعينا ومقدراتنا على الإحساس بالعالم الآخر. فبالتأمل والرؤية الخارجية, سيكون تركيزنا غير محصورٍ على الشكل المادي للصورة, إنما على الصورة الكاملة المتكاملة لحقيقة الأشياء, لأننا سنتحسسها ككتلة من الذبذبات. فهذه ستكون البداية بالنسبة لنا لرؤية الهالة البشرية أو الحقل الذبذبي الذي يحيط بالجسد. فعندما يتحرك الجسد تبقى ذبذباته في مكانها لبضع دقائق قبل أن تتحرك وتلحق به أو تتبدد.


إن هذا البعد الروحي للأشياء المادية سيفتح لنا آفاقاً نتخطى بها المفهوم المادي للصحة والمرض. إنما سيكون عندنا رؤية متكاملة للأمور المادية والروحية معاً مما سيجعلنا أكثر تفهماً وأكثر وضوحاً في التعامل الواعي معها. وهذا ينطبق أيضاً على حاسة السمع والتذوق. فمثلاً مع عملية المضغ التي نقوم بها لمختلف أنواع الأطعمة, تذوب هذه الأطعمة تاركة وراءها ذبذباتها في فمنا, حيث سيكون لهذه الذبذبات طعم وإحساس بغض النظر عن نوعية هذا الطعام ومكوناته الغذائية.

المحبة والعدالة:

إن المحبة والعدالة هما حالتان مكملتان لبعضهما البعض. فالإفراط في المحبة وحدها ستفسد التوازنات العاطفية عند البشر, أما العدالة بدون محبة فستكون عدالة لا رحمةً فيها ولا إنسانية. مع هذا التوازن الإيجابي للمحبة والعدالة سترسخ وتقوي الصلاة الحميمة والروابط الحقيقية بين أبناء هذه الأرض.

لذا يجب علينا التعامل مع أخوتنا البشر بكل محبة وعدالة, لأننا جزء لا يتجزء من هذا العالم الكوني الذي لا يميز بين إنسانٍ وآخر. إن الإنسان الذي يبخل على أخوته البشر التواقين للعلم والمعرفة سيصاب حتماً بالغرور والإستكبار, مما سينعكس في مرحلة من المراحل سلباً عليه وعلى البيئة البشرية أجمع. فعلى سبيل المثال, من الضروري أن يتعلم الجميع فن الطبخ الصحي والأكل الطبيعي. علماً أن هذا لن يستغرق أكثر من ستة أشهر من مجمل حياتنا الأرضية, لكنه سيساعدنا على نشر الإلفة والمحبة والسلام والسعادة والصحة في عالمنا هذا .

ايت صواب
23-11-2012, 00:38
موضوع جميل ومفيد
وجدت بعض الصعوبة
حبدا لو كانت
بعض الصور لطريقة الجلوس الصحيحة
والأمثلة حول الطبخ الصحي

شكرًا جزيلا لك استادنا الغالي

محمد ابو الياس
23-11-2012, 12:38
بارك الله فيك على المعلومة القيمة وجعله الله في موازين حسناتك وجعل الله مثواكم الجنة عرضها السماوات والأرض وبلغك الفردوس الأعلى لنا ولكم ولجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم ،اللهم آمين آمين آمين.

منبر
22-06-2016, 07:18
موضوع في غاية الأهمية يجب تركيز قوي لفهم معناه الباطني لأن مثل هذه المواضيع الثقافية لاتوجد إلا حصريا في هذا المنتدى الطيب وهذا مايدل على التقافة الواسعة الباطنة الروحية الصحيحة للشيخ بــــــــوركت