المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظام بنت الشيخ أبي شجاع بن رستم الأصفهاني


محمد ال عباد
20-02-2021, 13:26
الأنثى في حضرةالشيخ الأكبر ابن عربي

إنَّا إنَاثٌ لما فِينَا يُولِّد

فلنحمد اللّه مَا فِي الكونِ من رَجلِ

إنَّ الرجَالَ الذِين العرفُ عَيَّنهم

هم الانَاثُ وَهم سُؤلِي وَهم أملي

الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر ورئيس المكاشفين والبحر الزاخر وبحر الحقائق وإمام المحققين وسلطان العارفين.

هو المحب الصوفي الأندلسي محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي، المكني بمحي الدين.. ولد في شهر رمضان الكريم سنة 560 هجرية الموافق يوليو 1165 ميلادية بمدينة مرسية، وتوفي في دمشق سنة 638 هجرية الموافق لسنة 1240 ميلادية، حيث دُفن في سفح جبل ماسيون.

محب أفناه الحب وعاشق للجمال ومتذوقه بأشكاله المختلفة ظاهرية حسية كانت أو باطنية روحية ، صب على صفحات التاريخ الصوفي الفلسفي الإسلامي نفحات فاضت علي قلبه من أنوار الحب الإلهي.

كتب نثرًا وشعرًا فجاد على مسامع وأبصار العاشقين ما لم يجد به مثله، فكشفت لنا أعماله نوازع عاطفية تارةً يتبينها العاشق ومنازع فلسفية تارةً أخرى لا يتبينها إلا متذوق !

الشيخ ابن عربي الذي لم يُعطي مثله للمرأة المكانة التي وضعها هو فيها، ورفعها لمقام الرجل، بل وفضلها عليه في أكثر من موضع.

هذه المكانة العالية للأنوثة في فكر الشيخ الأكبر تظهر على ثلاثة أشكال أساسية:
الأولى في علاقته بالأنثى ودورها في حياته الاجتماعية والشخصية والروحية فهي الأم والزوجة والحبيبة والابنة والأخت وكذلك الشيخة.

أما الثانية فهي نتيجة للأولى حاول اثنائها تأويل النصوص الدينية في المرأة، وإيضاح مكانتها المتأثرة بمفاهيم خاطئة.

واخيرا استخدامه للرموز الانثوية في شعره ونثره سواء بالمعنى الظاهري او بالمعنى الباطني ، وهو الشكل صاحب النصيب الأكبر .

الأم نور..
ذكَرها كثيرًا في مؤلفاته، كانت امرأة صالحة تحملت صعوبات سيره في طريق التصوف ومن قبله أبيه، فعملت علي توفير حياة هادئة للخلوة والدراسة، وعاشت بعد موت أبيه تعتني به هو وأختين له.

الزوجة مريم..
تعتبر من أول عوامل توجهه لطريق التصوف، أنجبت له ولدين وبنت، وعلى درب أمه سارت هي لتوفر له الأجواء الهادئة التي ساعدته على تقديم هذا الكم من المؤلفات التي وصلت إلينا.

وقد ذكر عنها أنها من العابدات السالكات لطريق التصوف، وأنها وصلت لمقام المشاهدة.

الشيخة فاطمة بنت المثنى..
قال عنها أنها من المُجتهدات وأنه لم يذكر لها مقامًا إلا كان عندها حالًا. وكذلك قال عنها أنه لم يرى من الرجال أوالنساء أشد ورعًا واجتهادًا منها، وقد فتح الله لها التصريف في فاتحة الكتاب في أي شأن .

وكانت تقول لأمه نور: هذا ولدي وهوأبيكي، فبريه ولا تعقيهوكانت تقول له: أنا أمك الآلهية، ونورأمك الترابية.


وكذلك ذكر عدد من الشيخات اللاتي أخذ منهن العلم والتربية نذكر أشهرهم:

شمس الملقبة بأم الفقراء.. وكان يقول عنها أنه لم يرى من الرجال أحدًا يقدر علي ماتقدرعليه من العبادة.

جارية قسيم الدولة.. وكانت مجتهدة، خديمة لأهل الله وكثيرة الصوم، عاشت بمكة إلى أن توفيت بها.

زينب القلعية من قلعة بني حماد.. كانت ذات جمال وثروة، زاهدة تركت الدنيا عن قدرة، وقال عنها ما رأيت أحدًا أحفظ على الصلوات منها.

وذكرإحدى الشيخات اللاتي تمنى أخذ العلم منها وهي اخت الشيخ مكين الأصفهاني الملقبة بفخر النساء، فقال عنها:

وأما فخر النساء، بل فخر الرجال والعلماء فبعثت إليها، لأسمع الحديث النبوى عليها، وذلك لعلو روايتها، فقالت :

فنى الأمل واقترب الأجل وشغلنى عما تطلبه مني من الرواية الحث على العمل، فكأني بالموت قد هجم، فأقرع سن الندم.

فعندما بلغني كلامها كتبت إليها أقول:

حالي وحالك فى الرواية واحد

ما القصد إلا العلم واستعماله.

فأذنت لأخوها أن يكتب لي إجازة عن كل رواياتها نيابة عنها.

الحبيبة نظام.. شابة فائقة الجمال وعلى قدر كبير من الذكاء والعلم، وهي ابنة الشيخ مكين الأصفهاني تعرّف عليها عند قدومه إلى مكة، وهي من كتب فيها ديوانه (ترجمان الأشوا) الذي أثار ضجة كبيرة بين الناس ومازال حتى اليوم يأخذه منتقديه عليه عن جهل .

فكتب في مقدمة الديوان:
(فكل اسم أذكره فى هذا الجزء فعنها أكنّي، وكل دارأندبها فدارها أعني )

والحقيقة أنه أشار إليها بشكل مباشروغيرمباشر في أكثر من موضع بأبيات الديوان، وتعتبر هذه الفتاة التي أحبها ابن عربي حبًا طاهرًا عذريًا هي مفجرة عواطفه التي أدخلته عالم الشعرمتفوقًا على أعظم الشعراء السابقين له واللاحقين على السواء.

وعندما اتُّهم ابن عربي في حبه لها، ووصل إليه أن الناس في مكة بعد رحيله يؤذون والدها بالكلام والتلميح علي حبه وذكره لها علانية في ديوانه، عمل على إصدار كتاب شرح الديوان حتى يبين المعاني الصوفية المقصودة من الأبيات.

سر قوة الأنثى في التفكيرالأكبري
لما لا وهي صاحبة القوة الفذة، والحاملة لسر التكوين، وهي أصل حفظ الحياة البشرية والروحية.

وهي التي تجذب الرجل وتولد فيه الرغبة والحب فيخضع لحبها وحنانها، وهو الذي يرى نفسه القوي الشديد، فيتعرف على باطنه الضعيف في افتقاره وحنينه إليها.

ومن آرائه في تفسير توزيع الميراث بأن للرجل ضعف الأنثى، فيرى في ذلك تعويض لضعف ونقص الرجل عن القوة التي تحملها الأنثى سر الوجود، وهو تفسير باطني ليدل به على قوة المرأة.

إن الرحم شجنة من الرحمن
الرحمن اسم إلهي ينطوي علي اللين واللطف ويعبر عن المبالغة في الرحمة، وباعتبار الرحمة صفة إلهية فهي تسري في الوجود كله ولها تجليات على الموجودات، اقتضت علي الأم أن تعطف وتلين على أولادها في كل الحيوان، فهي مجرد قبس من رحمة مطلقة تتجلى لنشر اللين والمحبة والعطف بين الموجودات.

يرى ابن عربي أن العلاقة بين الإلهي والبشري تتجلى واضحة في الأنثى، لأنها ذات رحم الذي هو شجنة من الاسم الإلهي الرحمن كما جاء في الحديث:

( الرحم شجنة من الرحمن، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله )

ففي الوصل السعادة، وفي القطع الشقاء .
ولأن هذا الرحم أعطاها القدرة علي الحمل والإنجاب، فهي خاصية تعطيها دور في إظهار قدرة خلق لله عز وجل، وتعطيها دور الخليفة في الأرض بشكل ما.

فصِلة الرحم تُفهم بمعنى مد الوصل بين الذين تربطهم روابط القرابة الدموية من ناحية الأم، والقرابة الاسمية من ناحية الأب .

حب النساء إرث نبوي
يدور الفص الأخير من كتابه الشهير فصوص الحكم حول الحديث النبوي:

(حُبِّب إلي من دنياكم ثلاث النساء والطيب وجُعِل قرة عيني في الصلاة)

ومن خلاله يشيرابن عربي أن تقديم النساء ثم ذكر الطيب والصلاة دليلًا على مقام الأنثى، ومن خلاله أيضًا يؤكد علي أن محبة النساء لم تكن من تلقاء نفسه _ صلى الله عليه وسلم _ إنما كانت محبة من لدن الله ، فقال حُبب إلي وليس أحببت .

ومن الجدير بالذكر أن الحب في التفكير الصوفي هو طريق المعرفة والقرب الإلهي، كما ينظرإليه ابن عربي على أنه أصل الوجود وأساس حفظه.

كل مكان لا يؤنث لا يعول عليه
جاءت هذه الكلمات في مؤلفه المُسمى برسالة لا يعول عليه، ولها شروحات كثيرة يمكن فهمها على عدة أوجه كما في معظم كلامه، ولكن المفهوم الأوضح لها والمتفق عليه يعني أن

المكان الذي لا يؤنث، يبقى مكانًا فحسب، أما إذا أضفنا إليه تاء التأنيث، حينذاك يغدو مكانًا ومكانة .

بعد أن عرضنا لك جزءًا بسيطًا جدًا من ما جاء في فكرابن عربي كما هو، في موضوع الأنوثة ومكانة المرأة في حياته الشخصية، ورحلته الروحية،

(مع العلم أن هذا الجزء من فكره يعد أكثر الأجزاء التي شن أعداؤه هجومهم عليه بسببه) وأيًا كان ما جاء فيه هو كرجل حكم عليه الناس بشكل ما، ولم يحكم عليه رب الناس بعد، وقبل أن تَصْدرحكمك الآن، ناقش نفسك بشكل موضوعي ثم احكم..

هل النقاط الذي ارتكز عليها ابن عربي في تدعيم موقفه من الأنوثة تُعد كفر وزندقة ؟

هل قام بتفسير وتأويل النص بشكل خاطئ ليخدم رأيه ؟

هل احترام وحب الأنثى ضد الدين بشكل ما أو خارج عنه؟

هل يمكن أن ينفصل الحب عن الدين ؟

أولا يكون طريق الحب أقصر طرق القرب ؟

وهنا نشير إلى أن ابن عربي غاص في بحور المعارف شعرًا وفقهًا، وتفسيرًا وتأويلًا، وتنقل بين علم الكلام والفلسفة، لكنه صدم مسار الفكر بشكل أو بأخر، وخرج عن التقليد المطلق الذي كان مسيطر على العلوم في عصره، فلم يتحمل الفكر العقيم أنوار التجديد، فعمي !

والأفضل أن لا نكون عميان نحن أيضًا، فمثل هذا الرجل يؤخذ منه، ولا يؤخذ عنه، فافهم واطلع علي ما كتبه بنفسه، وليس ماكتبه أعداءه عنه.

وأخيرًا ها هوالذي سماه أبوه يوم مولده محمد علي اسم خاتم الأنبياء، وكنّاه في نفس اليوم محي الدين، يفتح ذراعيه وقلبه للجميع فينشد:

لقد صارَ قلـبي قابلًا كلَ صُـورةٍ.. فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ

ِوبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ.. وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــرآن

أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ.. ركـائـبهُ ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني

المصادر :
1/مقال مكانة المرأة عند ابن عربي للدكتور حامد طاهر

2/كتاب الانوثة في فكر ابن عربي تاليف نزهة براضة